في
مئة وثمانٍ وخمسين صفحة من القطع المتوسط، استرجع الكاتب الأردني بسام السلمان
الفورة الشعبية والبطولات القتالية للأردنيين في معركتهم الخالدة التي أعادت للأمة
العربية كرامتها بعد هزيمة حزيران 1967، بحكايات سردية عبرت عن الروح المعنوية
العالية التي بثتها الحاضنة الشعبية الأردنية في نفوس أبنائها الجنود،
والاستعدادات العسكرية التي جهزتها القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية، على
ما كانت تعانيه من ضيق الإمكانات، والخسائر التي تكبدتها في الحرب التي لم يمض
عليها عشرة أشهر، وقدرتهم على رفع الروح المعنوية للجنود، وتعاهدهم على النصر أو
الشهادة، رواية "عيون الكرامة لا تبكي"، من منشورات وزارة الثقافة
الأردنية، صدرت طبعتها الأولى عام 1990، نحركها من مكانها على رف المكتبة، ننفض
عنها الغبار، ونعيد قراءتها؛ لأنها تمثل الذاكرة الحية لصور من البطولة والعزيمة
والاعتماد على النفس، في مواجهة التحديات، وعدم الركون للوعود التي تتقافز من
وراء الحدود مثل كرة مطاطية بيد طفل.
مثلت
شخصيات الرواية أطياف المجتمع ومكوناته، الضابط الشهم الغيور على تراب الوطن وماء
النهر، الزوجة التي تقف وراء زوجها مستندة عليه وداعمة له ليفوز بالشهادة كي تنزع
الأمة عنها ثوب عار هزيمة حزيران 67، أئِمَّةُ المساجد يبتهلون بالدعاء والمصلين
يؤمنون، الدكتور في الجامعة يبث في نفوس طلابه الأمل بتغير الحال، وقدرة الجنود الأبطال
في دحر الأعداء، طلاب وطالبات الجامعة الذين يحدوهم الأمل ويتطلعون للرقص والغناء
فرحاً يوم النصر في ثقة لا يعتريها شك في همم جند الأردن وقائدهم، أمهات أحتضن
أبنائهن بقبلة الوداع في رضاً وقلوب تعمرها سكينة الإيمان ويقين النصر أو الشهادة،
وفتيات سبقت الشهادة لفرسان أحلامهن يوم زفافهن، وفتيات كان مهر الواحدة منهن أن
يعود منتصراً من وادي الأردن.
استقى
الكاتب وقائع الرواية من مراجع تناولت بالبحث والتقصي الاستعدادات ليوم اللقاء،
ووصف مراحل الاشتباكات العسكرية على أرض المعركة بين الجيش العربي، وقوات العدوان
الإسرائيلي، والدور الذي أسهم به رجال المقاومة الذين كانوا في مناطق الاشتباكات
مع العدو، وتحدث عن التحديات التي واجهها الجنود وصبرهم حتى ساعة النصر، موظفاً
الأسلوب الأدبي القصصي في التنقل بين المقاطع الوصفية والتشويقية لمحاور الرواية
الموضوعية، نقل لنا المشاهد من ثكنات الجنود، وميادين التدريب، وحين تحتاج روح
القارئ الخروج من محور الحديث عن الحرب وويلاتها، نحى بها نحو الشاعرية وحديث
العشاق في مرافق الجامعة، شاعرية كلها أحلام وأماني مصيرها النجاح، إن كان النصر
في المعركة، ثم يأخذنا الكاتب في اختلاسه إلى منازل أسر ضباط الجيش وأفراده، فأم
تقول لابنها الجندي لا تعد منهزماً، إما منتصراً أو ملفوفاً بالعلم، وزوجة تقول
لزوجها إن وافتك المنية سيعيش أبننا يتيماً، لكنه سيكون فخوراً مرفوع الرأس لأنه
ابن الشهيد.
أشارت
أحداث الرواية إلى الصعوبات التي واجهتها القيادة العسكرية طيلة العشرة أشهر التي استعدوا
فيها للمعركة، الملك لم يترك فرصة إلا وهو بين جنوده على الواجهة، يحث ويحفز ويأمر
بتوفير كل ما يمكن من مُعِدّات وأسلحة لتعزيز قدرات قوات المواجهة، وولي عهده
يتجول في البلدات الحدودية ويُطمئِن السكان، ورئيس الأركان في غاية اليقظة
والاستعداد، وقائد المعركة في الميدان مشهور حديثة الجازي، وضع كل خبرته العسكرية
لصد العدوان حتى لو تطلب الأمر الاشتباك بالسلاح الأبيض، والضباط أمام الجنود في
الصفوف الأمامية، كل ما يستطيع البشر فعله من استعداد وتخطيط قام به الملك الحسين
وجنوده، وكانوا فقط ينتظرون بَدْء المعركة ووعد الرب، فكان النصر.
في
صباح يوم الخميس 21/03/1968، "الكل كان هناك في ساحة المعركة. إن لم يكن
بجسده فبقلبه وعقله" (ص: 152)، وبعد توقف القتال واندحار العدو مساء
ذلك اليوم، فاضت العيون بدموع الفرح، إنه يوم النصر، أم الشهيد زغردت، وزوجة
الشهيد زغردت، وخطيبة الشهيد زغردت، بكى الأطفال فرقا آبائهم يومها، وسائر الأيام
كانوا هم أصحاب المفاخر بنيل آبائهم شرف الشهادة في ميدان الرجولة والبطولة، عَرَضَ
الجيش ما استولى عليه من مُعِدّات العدو الصهيوني في شوارع عمان، وبهذا العرض أعلن
للعالم أجمع أن جند الأردن هم جند الله، وأن أسطورة الجيش الذي لا يقهر، طمسها ملح
البارود الثائر من مدفعية ورشاشات الجيش العربي، بهذا النصر خلعنا ثوب الخزي الذي
أُلبسناه يوم السادس من حزيران.
سطر
الكاتب في متن الرواية خطاب الملك حسين للزعماء العرب يوم المعركة قائلاً:
"فبينما يعمل العدو يداً واحدة وهدفاً واحداً فإنه يعرف حقيقة الإمكانات
والطاقات التي وضعتها الأمة العربية قبالته في الميزان، وهو أيضاً يعلم أننا نكتفي
بالتحدث عن الصف العربي ووحدته من غير أن نعمل جدياً على بنائه" (ص: 120)، تعلمنا
من ذلك اليوم الخالد أن عيون الكرامة لا تبكي، يوم يتولى مهام القيادة والدفاع عن
وطننا رجاله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق