من صور البطولة الخالدة،
انبثقت حكاية تُروى، حكاية "خنجر سليمان" للروائي صبحي فحماوي، سيرة
روائية أدبية تحيي ذكرى شُجاع هزّ أركان الظلم، "سليمان الحلبي" الذي
زرع خنجره، في قلب قائد قوات الاحتلال الفرنسي لمصر، المعروف بالجنرال كليبر،
انتقاماً للجرائم التي ارتكبها الجنود الفرنسيون بحق الشعب المصري خلال الحملة
العسكرية التي قادها نابليون بونابرت على مصر عام 1798م.
تكونت البنية الموضوعية
للنص الروائي الذي قدمه صبحي فحماوي تحت عنوان خنجر سليمان من خماسية متماسكة، قُدمت
بلغة سردية سهلة، وتسلسل منطقي للحوادث التاريخية، وظف فيها الكاتب الأسماء
الحقيقية لأبطال الرواية، والتحري البحثي عن الوقائع والأحداث الأساسية في موضوع
الرواية وتقديمها على حقيقتها، مع إضفاء لمسات فنية لكسر رتابة السرد التاريخي،
تمثلت في بعض المشاهد الدرامية التي تعلقت بالجوانب العاطفية والإنسانية، قدمها
بطريقة فنية لا تؤثر في التكوين الانطباعي الحقيقي للحوادث والأخبار التي ارتكزت
عليها سردية الرواية.
بدأ التقسيم الموضوعي لسردية
الرواية بالحديث عن البيئة الحلبية، والظروف الاجتماعية التي ولد وترعرع فيها بطل
الرواية سليمان الحلبي، الذي قُدم في الرواية على أنه الابن الأول للتاجر محمد
الأمين الحلبي، وأنه محل عنايته واهتمامه في تحصيل العلوم والمعرفة والخبرة
التجارية، تتطور الأحداث والظروف المحيطة بأسرة محمد الحلبي فيقرر الأب إرسال ابنه
سليمان إلى مصر للدراسة في الأزهر والتخرج فيه فقيه وقاض، ثم يعود إلى بلده ليخدم
مجتمعه، ويكون مصدر فخر واعتزاز لأبيه.
في قسم ثان من البناء
الموضوعي للرواية، لم يترك الفحماوي السردية الروائية تخترق ذهنية القارئ دون أن يُحمِلُها
انطباعه الشخصي عن مواضيع فكرية تتعلق بالقضايا الدينية أو السياسية، فمن جهة يقف
عند قضية إقامة الصلاة في المساجد وأن الحكم المطلق في ذلك محتكم للنص القرآني وتجاوز
الرأي الفقهي الدارج (ص: 22، 23)، أو رأيه بالزكاة ومقاربة الاسم والمفهوم مع
الضريبة (ص: 89)، ورأيه بالفقه الإسلامي (ص: 147)، ولبس النقاب عند النساء (ص:
152)، ورأيه بالفتوحات الإسلامية وتوسع الدولة العثمانية في القارة الأوروبية (ص:
90، 91)، ومن القضايا السياسية التي تبناها الكاتب في الرواية، الدعوة إلى فكرة
الوحدة السياسية والاقتصادية للشام ومصر، وأنها تشكل حالة تكامل قادرة على تعزيز
قدرات الأمة في مواجهة الأخطار والمصاعب، والدعوة إلى تقارب السنة والشيعة تحت
مظلة الدين الإسلامي الواحد، وعلى لسان نابليون قال: "لا بد من إيجاد سبيل
احتيالي من شأنه أن يزيف المفهوم الديني عند المسلمين، وذلك لا يتم إلا بتركيز
واسع على دراسة الفكر الإسلامي... وتُحوله عن منطلقاته وأهدافه" (ص: 216).
أما القسم الثالث: فكان
يتعلق بحضور غزة بإنسانها وجغرافيتها وتاريخها وواقعها وماضيها، فمرة يستعرض تاريخها
وحضارتها وأهميتها على لسان محمد الحلبي، ومرة يفاخر بهذا التاريخ والمجد والمنعة
على لسان التاجر الغزاوي نادر الصباغ وابنه علي، ويذكر رأيه فيها على لسان بطل
روايته سليمان الحلبي قائلاً: "منذ أن دخلت مدينة غزة، فهمت أنها مدينة
مقاومة باسلة، وأنها مصنع للرجال... هي منطقة مركزية بين القارات، وأن القاصي
والداني يطمع فيها، ويحاول الاعتداء عليها واحتلالها..." (ص: 88)، وخلال المحاكمة
قال على لسان سليمان الحلبي: "غزة هي التي فجرت روح الثورة في داخلي، وحرضتني
على عدم الرضوخ لاحتلالات الفرنسيين وبشاعات تصرفاتهم في بلادنا" (ص: 256).
في قسم رابع من محاور
الرواية الموضوعية، تحدث الكاتب عن الحملة الفرنسية على مصر، متوخياً الدقة
التاريخية في سردية الأحداث وتسلسلها الزمني، فتحدث عن أسباب الحملة، ومجريات
الأحداث والمقاومة المصرية للاستعباد الفرنسي، التي تمثلت في ثورة القاهرة الأولى
وثورتها الثانية، وجهود المقاومة في الصعيد المصري، ودور شيوخ الأزهر وطلابه في
أحداث المقاومة، وتحدث عن الدور الذي أداه ديوان القاهرة (مجلس شيوخ التنسيق
الأمني الأزهري) الذي أسسه نابليون بعد دخوله القاهرة من بعض المشايخ، لخدمة أهدافه
الاستعبادية وإضفاء صفة الشرعية الدينية عليها، لكسب التعاطف والطاعة الشعبية،
وتحدث عن دور العمالة والخضوع لإرادة المستعبد الذي قام به القائد المملوكي مراد
بك. وقفت الرواية عند حقيقة تاريخية أخرى تعلقت بالفرنسيين، إذ بعد أن فشلوا في
حملتهم على مصر وجهوا دعوتهم لليهود وحثوهم لإنشاء وطنهم القومي في البلاد العربية
ابتداء من احتلال فلسطين (ص: 205).
مثل المحور الموضوعي
الخامس في سردية الرواية جوهر الرواية ورسالتها الأساسية، تناول فيه الكاتب حدث
اغتيال الجنرال الفرنسي كليبر على يد البطل سليمان الحلبي، الذي تمكن من طعن كليبر
عدة طعنات بتاريخ 14/ 6/ 1800م، فأرداه قتيل، ثأراً للجرائم التي ارتكبها الجيش
الفرنسي في حق الشعب المصري، وتحدث الكاتب عن المحاكمة الصورية التي حوكم بها
سليمان الحلبي وقضت بحرق يده اليمنى، وإعدامه بواسطة الخازوق، وفصل رأسه عن جسده، وترك
جثته في العراء حتى تتحلل، وعند مغادرة المستعبد الفرنسي الأراضي المصرية في شهر أيلول
عام 1801م، أخذ معه جمجمة سليمان الحلبي، وخنجره الغزاوي الذي قتل فيه كليبر، لعرضها
بمتحف ليز إنفاليد في العاصمة الفرنسية باريس.
الرواية كما أشار الكاتب
في مطلعها جاءت رغبة في تخليد ذكرى بطل يستحق أن تروى سيرته، ونفض الغبار عن
التشويه الذي لحق بها، وحين أُسند الأمر للروائي صبحي فحماوي على اتفاق ومحبة مع
صديقه ماهر البطوطي، كان خيار السرد الروائي هو الأفضل، ولأنه مجال فحماوي وتخصصه،
ثم كان اختيار اسم الرواية بمشورة ناصحة وموفقة من الدكتورة إلهام الشرع، أما
إهداء الرواية الذي خصصه صبحي فحماوي متندراً على نابليون بونابرت، فقد كان سخريةً
لاذعةً، عبر به خير تعبير عن سادية المجرم، وشعور مبطن بالرضى عن مصيره الذي
استحقه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق