11‏/10‏/2023

قراءة انطباعية في رواية "شبرمة صاحب المزمار"

 

بالتزامن مع الدورة 22 لمعرض عمان الدولي للكتاب، الذي افتتح بتاريخ 21/ 09/ 2023، صدر في عمان عن دار كنوز المعرفة للنشر والتوزيع، رواية "شبرمة صاحب المزمار"، للدكتور صالح علي الشوره، وهو أكاديمي وباحث ومؤلف أردني متخصص في الدراسات التاريخية، وقد جاءت الرواية في 354 صفحة من القطع المتوسط، زُيّن غلافها بلوحة تعبيرية تتضمن مشهد تصويري للواجهة الأمامية للخزنة، وهي واحدة من أشهر معالم مدينة البتراء السياحية، أيضاً زُيّن الغلاف بصورة مقاطع صخرية تشبه تلك المقاطع التي تكونت منها جبال رم وتلال حسمى وآثار منطقة العُلا والحِجر، والتي كانت امتداداً لدولة الأنباط في سالف عصرها، وتقاطع مع هذه الصور الرمزية بشكل شبه عرضي رسماً لمزمار به سبعة معاطف، تماهت ألوانه وزينته مع ألوان المقاطع الصخرية في لوحة الغلاف.

وحتى يُخرِج الراوي قُراء روايته من دوامة الرمزية في اختيار اسم الرواية، جال خياله وابتدأها في ذكر قصة الطفل اللقيط الذي وجِد قُرب صخرة في مرسى خليج لحيان (خليج أيلة/ العقبة) ملفعاً في العراء وبجانبه مزمار، احتَضنت زوجة ملك الأنباط الطفل واتخذته ابناً لها، وأطلقت عليه اسم ابنها شبرمة، الذي سبق أن قُتل في معركة من معارك الأنباط، وبذلك أصبح شبرمة أخاً في الرضاعة للحارث الذي سيغدو ملكاً، وجعل الراوي من شبرمة بطلاً يروي أحداث الرواية التي ستذهب بالقارئ بعيداً إذ تخرجه من العلاقات الأنسانية الطارئة، إلى جوهر هذه العلاقة وبنيتها الفطرية السليمة، فالحب والوفاء والتسامح والأخلاق النبيلة هي الإشارة التي تستدعيها المحاور الموضوعية للرواية.

جاءت أحداث الرواية مسايرة لسطوع نجم دولة الأنباط، وشاهدةً على حماسهم وإصرارهم المستميت في استعادة أمجاد أسلافهم من الثموديين، وتحرير بلادهم من الأدوميين الذين استولوا على الرِقِيم ــ وهو الاسم القديم لمدينة البتراء ــ فوقفت على ذكر الكثير من رموز المملكة النبطية، كدلالة النسر في رايتهم، وآلهتهم ذو الشرى وتماثيل الآلهة التي عبدوها كاللات والعزى، ووصف المذابح المصنوعة من الخشب، مع هذا، لا تحاول الرواية أن تُقدم سرداً تاريخياً يؤرخ لمرحلة نشوء المملكة النبطية، أو رواية تفاصيل أحداث الصراع الأدومي النبطي، وأن الرسالة التي تبعثها في هذا السياق تتبنى الرأي القائل بأن الملك النبطي الحارث هو أول ملوك الأنباط، يقول الراوي: "قد اقتلعت ريح الحارث حظوظ غيره" (ص: 134)، بعد أن تمكن من القضاء على الأدوميين، وبملكه صدرت شهادة الميلاد لمملكة الأنباط.

وقد جاءت الكثير من الأحداث المروية في سياق الرواية لتساعد في بناء الإطار الموضوعي للرواية، فمن خلال الأحداث التي عاشها شبرمة والحارث تمكن الراوي من نسج حبكة الرواية، ويروي الراوي على لسان شبرمة قوله: "والأهم أن ثدي أمي ظل لنا مورد حياة أنا والحارث، وكأن الأقدار أرادت لغاياتنا أن تلتقي: هو يصنع التاريخ وأنا أرويه" (ص: 22).

قسم الراوي روايته إلى أربعة فصول، كل فصل منها تضمن عناوين فرعية تمثل اُطراً موضوعية تُسهل على القارئ الانتقال بين اجزاء الرواية بسلاسة وتصور ذهني مترابط.

العشق فاتحة كل خير، يقول الشاعر العربي جميل بثينة:

وَأَوَّلُ ما قادَ المَوَدَّةَ بَينَنا**** بِوادي بَغيضٍ يا بُثَينَ سِبابُ

أما في حالة شبرمة الدعي النبطي صاحب المزمار، فأن ما قاد المودة بينه وبين "لطف" ابنة كاهنة القبيلة وطبيبتها، كان عراكاً مع ثلاثة فرسان تطاولوا عليها عند بئر الماء، ومن تدخله هذا دخل قلبها، ودخلت قلبه، يقول الراوي على لسان شبرمة: "وهناك زُرعت بذرة، لا أدري أهي بذرة شقائي أم بذرة سعادتي!؟" (ص: 11)، ثم يُنقل شبرمة لخيمة أم لطف لتُعالِج جراحه التي أصابته نتيجة عِراكه مع الفرسان دفاعاً عن لطف، وتبدأ قصة العشق، قال الراوي على لسان شبرمة "تلك كانت بداية حكايتي مع لطف وقد قدّمتها على غيرها لأنها هي قصّتي التي تستحق أن تروى وما دونها فأحلام تتحقق" (ص: 18)، لِيُسطر لنا الراوي قصة عشق تفوقت في عُذريتها ما عُرف عن شُعراء بني عُذرة، قال فيها على لسان شبرمة: "وقد اتعبتني جوارحي وهي تتطاول نحوها وأنا أحاول ضبطها لئلا تقترف ما لا يحق ولا يصلح في حق مثل لطف" (ص: 152).

أما المزمار فكانت تتعلق به روح شبرمة فمنذ وجِد كان هذا المزمار بجانبه، أما نسبته لهذا المزمار وتلقيبه بصاحب المزمار فكان على لسان معشوقته لطف، قال شبرمة: "مع أنني منذ الصغر أحتفظ بمزماري، بل أراه وُلد معي فلم يكن يخطر على ذهن أي شخص أن ينسبني له، حتى التقيت بلطف فأصبح لها قصب السبق بإطلاق اللقب" (ص: 40)، وقال: "كنت في بعض أيامي ألعن مزماري الذي علّقني بلطف وعلّقها بي وفعل بي وبها الأفاعيل" (ص: 91)، وفي الوقت الذي فارق فيه مِزماره وتَرَكه على الشاطئ أبت روحه أن تكون حبيسة جسده، قال في ذلك: "قبل أن نصعد على المركب تركت المزمار على الشاطئ في ذات المكان ووضعته بذات الهيئة وقد همست له بأنه هنا بدأت حكايتنا وهنا تنتهي" (ص: 353)، ورَكِب قاربه بصحبة زوجته لطف وأبحرا في عرض البحر ليفارقا الدنيا غرقا.

تبحث الرواية في تقلبات العواطف الإنسانية، وتظهر أن المرأة صنو الرجل، في الحب والتضحية والوفاء، ورعاية شؤونها، والاهتمام بكل التفاصيل التي يهتم بها الرجل وتشغل باله. ومن القيم الإنسانية التي أشعلت خيال الراوي كانت الصحبة الصادقة التي جسدها في شخصية "الحارث"، وشخصية "خلدو"، ومثلت شخصية "أَنيَب" دور الفارس المتمرد على صوت الحكمة في انتزاع حقوق القبيلة، أما الأخلاق السلبية كالغدر والخيانة والحقد فمثلتها شخصية "قوس" ابن أخ الملك "الباتر" الأدومي وزوج ابنته، ومثلت شخصية "وثّاب" دور الزعيم التابع الذي يوالي عدوه ويبيع مصالح قبيلته لتحقيق مكاسبه الخاصة، تتعدد القيم الإنسانية السلبية منها والإيجابية التي تجسدها شخصيات الرواية وحري بنا أن نترك للقارئ معايشة شخصيات الرواية للتعرف عليهم وعلى الأسلوب الجمالي الذي انتهجه الراوي في سردية الرواية.

لم ينساق الراوي وراء نغمة الحداثة أو ما بعد الحداثة، وتمكن من انتقاء الألفاظ المناسبة متى دعت الحاجة، وكنى بما يليق عند اللزوم، على ألسنة شخصيات الرواية، فحين جاء السياق يتطلب السب والشتم قال: "يدك عنّي يا ابن اللخناء" (ص: 11)، وعند الذم والقدح قال: "أيها الصفيق الجاهل" (ص: 223)، وعند الحديث عن العلاقة الزوجية قال الراوي: "فانتزعت منه الوعد ثم توجهت إلى السراج فأطفأته. فعلت أنفاس الأشواق على العتب والملام" (ص: 178)، وأودع الراوي في سياق الرواية عبارات جميلة تُعبر عن المشاعر والأحاسيس تُضيء صفحات الرواية، منها قوله: "الإنسان يتمنى وما عليه إلا أن يصدّق، فربّ حتف امرئٍ حيث تمناه" (ص: 138)، ومنها: "فعرفت بأن لكل منّا حزنه، ولكني لم أعرف الأسباب" (ص: 209) وهذه العبارة تحديداً استهل بها الراوي روايته (ص: 8)، وختمت أنا بها قرائتي الانطباعية عن هذه الرواية المتماسكة المعبرة.

09‏/10‏/2023

تساؤلات على هامش عملية طوفان الأقصى

اشتعلت العاطفة العربية على أثر عملية "طوفان الأقصى" واختلطت مشاعر الفرح مع مشاعر الأمل مع رجاء النصر والتحرير. وفي خضم هذه الحالة متعاظمة النشوة ثارت الأسئلة في خلجات نفسي فقلت اكتبها شاكاً أن ما اكتبه لن ينشر، ربما لأنه خروج عن السرب، وربما أن هذا الوقت ليس أوانه.

مصدر الصورة

 وأول تساؤل دار في ذهني كان يستوضح هل يعقل أن تخرج المقاومة الفلسطينية في غزة من حال الدفاع إلى حال الهجوم في هذا الوقت؟ لا اعتقد أن هذا القرار كان صائباً لأن المقاومة الفلسطينية تفتقد للعمق الاستراتيجي الجغرافي الذي يؤهلها لهذا التحول، وتفتقد لحليف دولي قوي قادر على دعمها ومساندتها، وتفتقد القدرات العسكرية البحرية التي يمكن أن تساهم في كسر أي حصار يمكن أن تتعرض له، وهو حصار واقع لا محالة، وتفتقد للقدرات البشرية التي يمكنها أن تحافظ على الأرض التي هاجمتها على امتداد حدود قطاع غزة، وتفتقد للمخزون الاستراتيجي من السلاح بعد استنفاذ ما تملك منه في عملية طوفان الأقصى، وتفتقد للآلة الإعلامية القادرة على توضيح شرعيتها وشرعية مشروعها في المقاومة، وتفتقد للدعم الرسمي العربي لأنها بفرديتها عزلت نفسها عن محيطها، وإذا كان هذا حالها فبماذا تراهن المقاومة وعلى ماذا تتكئ.

والتساؤل الثاني هل دخلت المقاومة الفلسطينية في غزة المصيدة الإسرائيلية والدولية بهذه العملية المنظمة والدقيقة والمفاجئة، التي لن تقدر على تكرارها وإن استمرت لبعض الوقت؟ وهل ستتمكن المقاومة الفلسطينية من الصمود أمام التحشيد الذي تعده لها إسرائيل؟ هل خسرت المقاومة الفلسطينية ورقتها الرابحة التي تعتمد فيها على قدرتها على التهديد دون الكشف عن حقيقة إمكاناتها التي تؤكد وعيدها؟ كانت المقاومة الفلسطينية مهابه الجانب لعدم معرفة عدوها بإمكاناتها، لكنها اليوم بهذه العملية استنفذت جهدها وكشفت عن أقصى قدراتها.

اعتقد أن ما بنته المقاومة الفلسطينية قبل عملية "طوفان الأقصى" سيذهب به طوفان الرد الإسرائيلي الذي وجد الذريعة ليدمر غزة على من فيها شعباً ومقاومة، لست متحاملاً على المقاومة الفلسطينية إن رأيت أنها أخطأت في تحولها لدور المهاجم والتخلي عن دور المدافع، لأن كل الظروف الجيوسياسية والعسكرية ضدها، وكل الأحلام العربية التي تراود العرب اليوم هي عكس أحلامهم، العرب اليوم يرجون التطبيع والتعاون والوفاق مع الإسرائيليين، لا اعتقد أن هذه الاعتبارات سقطت من حساباتهم لكن اعتقادي أنهم قللوا من شأنها وعواقبها الوخيمة.

لن تكون أعداد الأسرى الذين وقعوا في أيديكم من الإسرائيليين اليوم أداة ضغط على الحكومة الإسرائيلية بقدر ما ستكون عبئاً عليكم، لأنه وللأسف صاحب عمليات أسر بعضهم تصوير مشاهد إساءة وتعذيب وإن كانت هذه اللحظات لا يرجى فيها المثالية، إلا أنها ستكون قريباً أداة تشويه إعلامي تُستغل ضدكم، وإن كانت نفوسنا نحن العرب تستوعب مشاهدة مثل هذه المشاهد القاسية وتستمتع بها، لا اضن أن الآلة الإعلامية الإسرائيلة ستقدم هذه المشاهد للعالم بعفوية، بل اعتقد أن كل عربي في الغرب وفي أمريكا سيدفع الثمن عن هذه المشاهد التي صورتها كمرات المنتشين بمفاخر النصر.

08‏/07‏/2023

نبذة مختصرة عن الإطار الموضوعي لـ "كتاب نظريات إقامة الخلافة في الفكر السياسي الإسلامي المعاصر

 

     تناولت العديد من الدراسات والأبحاث موضوع الخلافة الإسلامية، وعالجت هذه الدراسات في إطارها العام موضوع مؤسسة الخلافة وبدائلها الممكنة، والبحث في التاريخ السياسي للخلافة والخلفاء، وأما مسألة اشتقاق نظرية سياسية متكاملة نسبياً، من كتابات وأفكار دعاة إقامة الخلافة، تكون قادرة على وضع تصور عام لإقامة الخلافة الإسلامية على منهج النبوة والخلافة الراشدة، وانضواء كل دول العالم الإسلامي تحت سلطتها، وتحقيق مبدأي وحدة الأمة ووحدة الخليفة، فهذا أمر لم يأخذ نصيبه من البحث والدراسة، وقد جاءت فكرة هذه الدراسة، محاولة لتصنيف وتبويب الأفكار والمقترحات والمشاريع في هذا المجال، ليتم تقديم تصور عام لمعالم كل دراسة ومدى قدرتها على وضع نظرية فكرية متكاملة لإقامة الخلافة الإسلامية.

فقد تناول الكتاب في فصله الأول البحث في مفهوم الخلافة الإسلامية، والأسباب التي كانت وراء إلغائها، والمعيقات التي تواجه جهود إقامتها مجددا، وناقش الكتاب في فصله الثاني موضوع الحاكمية، وموضوع وحدة الأمة، وموضوع تعزيز الثقة بولي الأمر، وموضوع تنفيذ رسالة الأمة، في أربعة مطالب، وذلك للخروج بمعايير أساسية مشتركة، يمكن الاستفادة منها في تحديد الملامح العامة لنظريات إقامة الخلافة الإسلامية، التي تم طرحها من قبل الشخصيات والجماعات الإسلامية المختلفة، ولتكون هذه المعايير الدعامة الأساسية لبناء الإطار العام الكلي لكل نظرية، وأداة موضوعية للتعبير عن مدى تكاملها، ومقياساً موحداً تقاس به كل نظرية من النظريات المطروحة.

وفي الفصل الثالث تم دراسة خمس نظريات ــ كل منها في مبحث مستقل ـــ طُرحت لإقامة الخلافة الإسلامية، اشتق اسم كل منها من الوسيلة التي يمكن انتهاجها لإقامة الخلافة، وهي النظرية المؤسسية، ونظرية التربية والتنشئة، ونظرية التثقيف والتفاعل، ونظرية التربية والتصفية، ونظرية الجهاد والقدوة.

وكان موضوع المبحث السادس من الفصل الثالث، يدور حول تطور الفكر السياسي الإسلامي من الخلافة إلى الديمقراطية.

      وخلص المؤلف إلى عدد من النتائج كان من أهمها، أن دراسة موضوع إقامة الخلافة الإسلامية كان محور اهتمام العديد من الشخصيات والجماعات والأحزاب الإسلامية، وكشف عن وجود عدد من النظريات التي تناولت هذا الموضوع، وأن الفكر السياسي الإسلامي قدم إلى جانب هذه النظريات طروحات فكرية متنوعة أسهمت في التشجيع على تبني نموذج الديمقراطية وانتهاج العمل السياسي وفقاً لمبادئه.

ومن التوصيات التي خرج بها المؤلف، ضرورة العمل الجاد على إحياء الفكر السياسي الإسلامي، والعمل على تقييم النظريات والدراسات الناتجة عنه، وتشجيع الاتجاه الفكري السياسي الإسلامي الذي يسعى لتقديم حلول وطروحات تواكب التطور العصري للفكر السياسي العالمي، مع ضرورة تنقية النموذج الديمقراطي من المفاهيم السلبية التي تحد من اعتماده كنموذج حكم، وتوضيح الصورة الحقيقية لمضامينه السياسية، ومحاولة إجراء مقاربة فكرية معه من دون صهر الخصوصية الإسلامية المتمثلة في أصولها وثوابتها الشرعية.

رابط تحميل الكتاب وقراءته بصيغة PDF




03‏/07‏/2023

إدراج كتب للقراءة والتحميل بصيغة PDF

إتاحة كتاب الفساد الإداري والمالي وكتاب نظريات إقامة الخلافة في الفكر السياسي الإسلامي المعاصر للتحميل والقراءة بصيغة PDF


 كتاب الفساد الإداري والمالي مفهومه آثاره وطرق قياسه وجهود مكافحته للتحميل بصيغة PDF

رابط قراءة أو تحميل الكتاب








إتاحة كتاب نظريات إقامة الخلافة في الفكر السياسي الإسلامي المعاصر للتحميل والقراءة بصيغة PDF

رابط قراءة أو تحميل الكتاب






05‏/06‏/2023

56 عاماً من الهزيمة

   العبرة المستفادة من حرب حزيران عام 1967، هي أن الشعوب العربية تخاف أن تعترف بالهزيمة، وتتجنب استخدام كلمة هزيمة، وتفضل عوضاً عنها استخدام كلمة "نكسة" لأن هذا الاستخدام اللفظي يضفي عليها قليلاً من اللطافة اللفظية، فالنكسة أو نكسة حزيران، أخف وقعاً في نفس المتلقي من كلمة هزيمة، فكان استخدام لفظ "نكسة" تجميلاً لقبيح، فالقبيح الذي يخاف العرب الاعتراف به هو أن هذه الهزيمة العربية كانت نتيجةً لغياب الفكر الاستراتيجي العربي في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، فقد كان اشعال فتيل المواجهة العسكرية في حزيران 1967 قراراً ارتجالياً مشحوناً بطاقة انفعالية كبيرة، لأنه جاء للدفاع عن الأنا المتعاظمة عند الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، بعد أن وُجهت له الاتهامات بالتمترس وراء قوات الطوارئ الدولية، التابعة للأمم المتحدة، المعسكرة على الحدود بين مصر وإسرائيل، وتجاهل الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على المناطق الحدودية السورية والأردنية.

   هذه الاتهامات الموجهة للرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر الذي كان وقتها في أوج حالات الرفع الاعلامي، والتلميع السياسي على اعتبار أنه الرجل الثوري الذي يسعى لتشكيل تكتل عربي قوي، ويطمح لتوسيع جغرافيا سيادته، رغم ما اكتنف مساعيه من عقبات، منها انقلاب الجيش السوري في أيلول 1961، الذي أنها كيان الجمهورية العربية المتحدة، التي ضمت سوريا ومصر، وفشله العسكري في اليمن، اصداء هذه الاتهامات دفعته للقيام بإجراءات فورية ينطبق عليها الوصف الشعبي (صحوة نايم)، في محاولة منه لإثبات وجوده، وتعزيز مكانته عربياً ودولياً، فطلب من الأمين العام للأمم المتحدة اجلاء قوات الطوارئ الدولية عن الأراضي الحدودية المصرية مع إسرائيل، وعمد إلى إغلاق مضيق تيران أمام الملاحة الاسرائيلية، وخلال مقابلته للأمين العام للأمم المتحدة قبيل بدء الحرب، أبلغه شروط التهدئة مع إسرائيل، والتي تضمنت انسحاب إسرائيل من منطقة إيلات، والاعتراف بخضوع مياه خليج العقبة للسيادة المصرية، وأن تحترم اسرائيل المنطقة المنزوعة السلاح بينها وبين مصر، وأن يكون تواجد القوات الدولية على الجانب الاسرائيلي بدلاً من تواجدها على الجانب المصري، وهذه الإجراءات الانفعالية كانت تعني اعلان الحرب أو على أقل تقدير ذريعة لإسرائيل لتعتبرها كذلك.

   وهنا يأتي السؤال المهم، ما هي قدرات مصر الاستراتيجية التي اعتمد عليها الرئيس المصري جمال عبد الناصر في فرض موقفه؟ الجواب هو أن مصر كانت تعاني من أزمة اقتصادية صعبة، فرضتها السياسات المالية والنقدية التي اتخذتها الحكومة المصرية نتيجة قرارات التأميم، ونقص السيولة النقدية في البلاد، وضعف المخزون الاحتياطي من العملات الصعبة في البنك المركزي المصري، وتضخم الجهاز الإداري في الدولة، وضعف الامكانات العسكرية المصرية، وغياب التخطيط الاستراتيجي العسكري لشن حرب حاسمة على إسرائيل، بمعنى آخر مصر لم تكن مؤهلة للدخول في الحرب مع إسرائيل، على المستويات السياسية، أو الاقتصادية، أو العسكرية، ولم تكن قادرة فنياً ولا تكتيكياً على قيادة القوى العسكرية العربية في هذه المهمة الحربية التي تصدرت لها، ولم تكن قادرة على الوفاء بالتزاماتها المقررة في اتفاقيات الدفاع المشتركة التي وقعتها قبيل بدء الحرب مع سوريا والأردن.

    هذا كله لا يسوغ التنصل من المسؤوليات، وتحميل الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر كامل المسؤولية عن هذه الهزيمة، لكنه يفرض علينا الامعان في التاريخ الثوري العربي، خلال النصف الثاني من القرن العشرين، ومحاكمته محاكمة عادلة، وفق الظروف التي كانت سائدة، من خلال إعادة قراءة المخرجات التي افرزتها العقائد، والسياسات، والأدوات الاعلامية، لذلك الجيل من القادة والسياسيين، فهزيمة العرب في حرب حزيران 1967، كانت نتيجة طبيعية لغياب فهم الواقع، وعدم الاستعداد الدائم للحرب، فالحرب حسمت بهزيمة العرب مع ساعات صباح الخامس من حزيران/ يونيو، والأيام الخمسة التالية كانت فرض واقع صهيوني جديد على العرب، تمثل باحتلالهم الأرض، وتشريدهم لآلاف الفلسطينيين.

   فهل نملك اليوم الإجابة عن التساؤلات التي تطرح في كل يوم نستذكر فيه ذكرى هذه الهزيمة، فهل صدقاً كان القادة العرب يتخذون القرارات المصيرية بفردية، وارتجالية آنية، وفكر قاصر عن إدراك تبعات هذه القرارات على مصير شعوبهم؟ وهل كان الاعلام العربي رهين التوجيهات الرسمية، وتنصب جهوده على تلميع الاشخاص، وتظليل الشعوب، وقلب الحقائق بما تهوى السلطة؟ وهل التعاون العربي المشترك محكوم عليه بالفشل لأنه يفتقد الثقة المتبادلة، وأن الاهتمامات العربية تنحصر في تعزيز القطرية، وإلقاء اللوم على الأطراف الأُخرى نتيجة فشل سياساتها؟ وهل نجاح المواجهة مع إسرائيل يعتمد على قدرة كل قطر عربي بشكل مستقل، على تحقيق قوة ردع قادرة على حمايته، ومن ثم تطوير هذه القدرات لتكون قوة هجوم قادرة على تحقيق مكاسب على الأرض، وقادرة على بناء شبكة علاقات يمكن الاعتماد عليها في المراحل المتقدمة، التي يمكن أن تتطور نتيجة ظهور مستوى محفز للتدخل والمساعدة؟

وأخيراً ماذا تغير خلال 56 عاماً من الهزيمة "النكسة"؟

زواج الأمير حسين

   يوم الأول من حزيران يوم فرح أردني تشهده المملكة الأردنية الهاشمية، بمناسبة زواج سمو ولي العهد الأمير حسين والآنسة رجوة آل سيف، فمن جهة يمثل هذا اليوم يوماً مميزاً في حياة سموه، فهو يوم الاستقلال وبناء بيت الزوجية، ودخول عهد جديد من المسؤوليات الاجتماعية، وتجربة حياتية جديدة مختلفة عن مطلق حرية الفرد الأعزب.

   ومن جهة ثانية، فإن هذا اليوم يعد يوماً سعيداً لجلالة الملك وجلالة الملكة، إذ يرون ابنهم البكر عريساً، فطالما انتظرا هذا اليوم بشوق الأبوة وحنان الأمومة، ففرحتهم غامرة فياضة بمشاعر السعادة والفرح، ويعيش الأردنيون مع جلالتيهما هذه الفرحة الكبيرة.

   فهذا العرس الأميري ارتأى عميد البيت الهاشمي الأردني أن يكون عرساً أردنياً طبعاً وقالباً للأعراس الأردنية، فعمت الأفراح، وأقيم حماماً للعريس، وقدم القِرى بهذه المناسبة السعيدة، ودعي للحضور ملوك ورؤساء وزعماء وقادة من كل انحاء العالم، بمستوى يليق بمكانة البيت الملكي الهاشمي، وبمستوى هذه الفرحة الأردنية الغامرة.

   ولو نظرنا لهذا الحدث من منظار المراقب السياسي المهتم بالشأن الأردني، نجد أن هذا الزواج يمثل نقطة مهمة في استقرار حياة سمو ولي العهد، ويعطيه الفرصة الكافية لرسم معالم الطريق التي سينتهجها وفقاً للمسؤوليات السياسية التي ستناط بسموه، فهو تخلص بهذا الزواج من التدخلات وتشعب العلاقات الاجتماعية الداخلية الأردنية، وبقي يقف على مسافة واحدة من كل مكونات الشعب الأردني.

   وإلى جانب ما يمثله هذا الزواج من حالة استقرار لسمو الأمير، فأنه سيمكن الماكنة السياسية الأردنية المدفوعة بقوة ورغبة جلالة الملك، في مواصلة جهودها الرامية إلى تعزيز قدرات سمو ولي العهد السياسية، والاقتصادية، وتطوير شبكة علاقاته الاجتماعية، بالدرجة التي تتطلبها مكانته السياسية ودوره الدستوري كولي للعهد.

77 ربيعاً من الاستقلال الأردني

     كتابة مقال في ذكرى يوم الاستقلال، تماثل قدح شرارة في فضاء مظلم، ذلك أن الحديث عن مناسبة استقلال المملكة الأردنية الهاشمية، يحتاج إلى السرد التاريخي، والوقوف على الكثير من المحطات السياسية، التي مرت بها البلاد، وبَذلَ خلالها الملك المؤسس عبدالله الأول بن الحسين، جهوداً عظيمة مع حكوماته المتعاقبة، للموائمة بين طموحات أفراد الشعب الأردني، ونخبه السياسية، وزعاماته الوطنية، التي كانت تتفجر عاطفةً وحماسة، وبين المحددات السياسية العالمية، التي كانت تفرضها الحكومة البريطانية المنتدبة على إمارة شرق الأردن.

    هذه الرحلة السياسية الشاقة، التي استمرت ربع قرن، بدأت منذ وصول الأمير عبدالله بن الحسين إلى معان في 21 تشرين ثاني 1920م، واستمرت حتى صدور الإرادة الملكية بالموافقة على قرار المجلس التشريعي الصادر في دورته فوف العادية التي عقدت بتاريخ 25 أيار 1946م، والتي قرر فيها اعلان البلاد الأردنية مستقلة استقلالاً تاماً، والبيعة للملك عبدالله بن الحسين ملكاً دستورياً على المملكة الأردنية الهاشمية، ورفع القرار للملك للمصادقة عليه، فكانت كلمات الملك المؤسس عبدالله بن الحسين على هذا القرار قوله: "متكلاً على الله تعالى أوافق على هذا القرار شاكراً لشعبي واثقاً بحكومتي"، واعتبر يوم 25 أيار من كل عام، عيداً رسمياً، بمناسبة ذكرى الاستقلال.

    واليوم ونحن ندخل الربع الرابع من المئوية الأولى لاستقلال الدولة الأردنية، تواجهنا الكثير من المشاكل التي تفرضها علينا تفاعلات السياسة العالمية، وأخرى داخلية متجذرة في مؤسسات الدولة المختلفة، ومنها ما هو متأصل في أطباعنا السلوكية، كأفراد في مجتمع يتجه نحو المدنية، حالنا اليوم كحال أسلافنا، الصراع قائم بين طموحاتنا السياسية، والاقتصادية، وآمالنا الكبيرة، في مواجهة مرونة مؤسسات الدولة، ومدى قدرتها على العبور بنا إلى مراحل متجددة ومتطورة في عمر الدولة الأردنية.

وعلينا أن ندرك تماماً غض النظر عن ميولنا السياسية، واتجاهاتنا الفكرية، وطموحاتنا المستقبلية، أن هذا الدولة تأسست بجهود عظيمة من قيادة هاشمية تحملت الكثير الكثير من التشكيك والمعاداة في الداخل والخارج، وإلى جانب القيادة الهاشمية وقف القائد، والزعيم، والشيخ، والمعلم، والجندي، والمزارع، والطبيب، والطالب، وكل فرد من أفراد المجتمع الأردني، للمساهمة في بناء هذه الدولة.

   إن الأجيال التي ولدت في عهد استقلال هذه الدولة، تحمل أرثاً عظيماً لأسلافها الذين بذلوا قصارى جهدهم للحصول على هذا الاستقلال، فالاستقلال بالنسبة لهم يعني الكثير، فهو مطلق السيادة، واصل الشرعية، وحق الإدارة والتصرف، وقبول ما هو دون هذا الكثير، يعني التخلي عن الحق المكتسب، ويعني التراجع في الأداء، ويعني الضعف المعوز للوصاية. لن ينسى تاريخ الدولة تسجيل الأحداث، وسيحفظ لكل فرد مخلص قام بدورة على أكمل وجه في نهضة هذا البلد صورته الناصعة النقية، ولن يقصر عن دمغ صفحة المقصر بدمغة الفشل والخذلان.

21‏/05‏/2023

الثقافة الظنية

     يتكون المخزون الثقافي للفرد من خلال تراكمات معرفية، يمكن اكتسابها من مصادر التلقي المتعددة، كالمطالعة، أو السماع، أو المشاهدة، وهذه التراكمات المعرفية تشكل في مجموعها أساس المعرفة الإدراكية للفرد، ومنها تبدأ انطلاقة تفكيره المستقل، والذي يمكن أن يتجه باتجاهات التفكير التحليلي الاستنتاجي، أو نحو تطوير مهارات التفكير القياسي، أو حتى خلق تصورات خيالية معبرة عن الفكرة التي يحاول انتاجها، لهذا كان للتعليم أهميته في صقل شخصية الفرد، سيما أن التعليم يتكون من منظومة متكاملة مترابطة، تبدأ من إعداد المعلم، ثم المنهج التعليمي، وتوفير بيئة تعليمية مناسبة، وصولاً لمخرجات العملية التعليمية، التي تكون عادةً متوافقة مع البيئة الاجتماعية بكل مكوناتها الثقافية، والسياسية والاقتصادية، والأمنية في الدولة.

    ونتيجة للتطورات الكبيرة في مجالات الاتصالات المختلفة، طرأت تغيرات في طريقة اكتساب المعارف، واتساع بيئة التأثر الاجتماعي، إذ أصبحت السمة العامة للمعارف المكتسبة لدى الأفراد من خلال وسائل التواصل الاجتماعي تعتمد على الايجاز والاختصار، ممثلة في: الرسائل القصيرة ــ صوتيه كانت أو نصية ــ أو مقاطع الفيديو، أو الصور. وهنا تتجذر المشكلة، فالفرد يعتاد الاطلاع على معلومة مجتزأة، وبالتدريج تحل هذه الصورة الجديدة من المعرفة محل مهارات المطالعة الفردية، ويتلاشى الدور الرقابي على نوع المعرفة المتبادلة بين الأفراد وضبط المحتوى التفاعلي، ويغيب الدور الإشرافي والتوجيهي في بناء شخصية الفرد السلوكية والمعرفية.

    إلى جانب هذا الانقلاب على طريقة اكتساب المعارف، نجد أن المعلومة المجتزأة التي يكون مصدرها وسائل التواصل الاجتماعي، لا يتم إيلائها الأهمية الكافية في البحث عن مصدرها، أو تحري دقتها، علاوة على ذلك يحتاج الفرد إلى توضيحها، فيقوم بإدراج التفسيرات المتممة لمعناها من خلال التخمين، أو الحدس، وهنا يتم تنمية معرفة ظنية لإتمام البنية الموضوعية للحدث، الذي اُخذت المعلومة المجتزأة عنه من وسائل التواصل الاجتماعي، وفي هذه الحالة نكون أمام معلومة غير مقطوع بصحتها، ثم تصور ظني لتفسيرها، يصاحب ذلك سرعة في انتشارها، وعدم القدرة الكاملة على تدارك أي خطأ ينتج عن ذلك التفسير الظني، وبذلك تكون الثقافة المكتسبة من هذه التراكمية المعرفية ثقافة ظنية.

    هذا التحول في الثقافة الفردية من ثقافة تعليمية منظمة، إلى ثقافة ظنية، نتيجة تأثير وسائل التواصل الاجتماعي، لا يعني غياب الثقافة التعليمية المنظمة غياباً كاملاً، لكن قدرة وسائل التواصل الاجتماعي التأثيرية ستوسع الفجوة بين الثقافة التعليمية المنظمة، التي ترعاها المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، في مواجهة الثقافة الظنية مفتوحة المصادر والاتجاهات، وهذه الفجوة التي تزداد اتساعاً، ستكون على حساب المخزون الثقافي للفرد، وبالتالي نجد أمامنا صورة ضبابية مركبة من معارف كثيرة ومتزايدة في كل مجال معرفي نتيجة التطور في وسائل نقل المعرفة، لكن القيمة العلمية لهذ الكم المتزايد محل شك، والأخذ به دون وعي وتحري الدقة يؤدي إلى مزيد من التخلف، والجهل، واضاعة الفرص والوقت.

15‏/05‏/2023

الذكرى 75 للنكبة الفلسطينية

 

    أُرخت النكبة الفلسطينية بإعلان قيام دولة إسرائيل في 15 أيار من عام 1948م، ومنذ ذلك اليوم قامت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على تهجير الفلسطينيين من الأراضي الفلسطينية، وتوسيع رقعة دولتهم الجغرافية على حسابهم، لكن علينا الاعتراف بأن النشطاء اليهود حول العالم بدأوا العمل على إقامة الدولة اليهودية على الأراضي الفلسطينية في وقت مبكر وخططوا لهذا الهدف بشكل صحيح، وهذا ما يمكن أن ندركه من خلال الوقوف على مضامين كتيب "دولة اليهود" الذي قدم من خلاله تيودور هرتزل رؤيته الموضوعية في كيفية العمل على إقامة الدولة اليهودية، إذ نجد أن العمل اليهودي امتاز بالمؤسسية والمسؤولية، لتحقيق أهدافهم، في حين كان العرب يعيشون حالة من التخلف السياسي والاقتصادي، والعسكري، ولم يكن لديهم رؤية واضحة متفق عليها لمواجهة الأخطار التي بدأت تطل عليهم منذ وصول الاتحاديين للحكم في مقر الخلافة الإسلامية التي كانت في حالة احتضار، وانقلابهم على السلطان عبد الحميد الثاني عام 1909م.

ومع انطلاقة شرارة الحرب العالمية الأولى تعاون العرب مع الانجليز وحلفائهم، وفي الوقت ذاته تعاون اليهود مع الانجليز، فخرج العرب بدويلات قطرية غير قادرة على التعايش المستقل في المجتمع الدولي، في حين اثمرت العلاقات اليهودية البريطانية في استصدار تصريح بلفور الشهير، وتثبيت أقدام اليهود في فلسطين، فخرج اليهود بدولة تكاد تصل لحد الاكتفاء الذاتي في كل مجال.

كانت سمة الخلاف والتشكيك في حسن النوايا، السمة العامة الطاغية بين الكيانات العربية التي قُدر لها أن تتصدى للخطر اليهودي على الأراضي الفلسطينية ــ ومن المؤسف القول بأن هذا الحال مستمراً حتى وقتنا الحاضرــ في حين عمل اليهود بشكل مؤسسي منظم لمواجهة التحديات العربية، وتمكنوا من فرض وجودهم بالتعاون مع مؤسسات المجتمع الدولي، وتوظيف الإعلام لخدمة مصالحهم الرامية لتأسيس الدولة اليهودية في فلسطين، فكانت الخبرات السياسية، والقانونية، رديفاً مهماً للقدرات العسكرية التي يملكونها في بناء الدولة اليهودية.

كانت البداية رؤية يهودية عام 1897م، وفق ما جاء على لسان تيودور هرتزل: "في بازل أسستُ الدولة اليهودية. ولو أنني قلت هذا اليوم لواجهتي ضجة من الضحك. وسيراها الجميع ربما في مدة خمس سنين، وبالتأكيد في مدة خمسين سنة. إن الدولة قد تأسست من حيث الجوهر، في إرادة شعب الدولة.... إن هدف الصهيونية هو أن يتحقق للشعب اليهودي وطن في فلسطين يضمن وجوده قانون عام" (دولة اليهود: ص 21).

بالتخطيط والعمل المؤسسي كان لليهود ما أرادوا، ومن وجهة نظر تشاؤمية يمكن القول أن العرب اليوم لا يملكون سوى فرصة ضعيفة في أن تراودهم الأحلام لاستعادة الأراضي الفلسطينية المحتلة، لأن الواقع العربي لا يقدم خطط مدروسة بعناية، وفق رؤية مستقبلية منظمة، في سياقات عمل جماعي موحد، لمواجهة تحديات وجود دولة يهودية مزروعة في قلب العالم العربي، لهذا فإن الإمكانات المتاحة للعرب تنحصر في وضع شعار جديد يعبر عن الغضب العربي من الدولة اليهودية بمناسبة الذكرى السنوية للنكبة الفلسطينية.

06‏/05‏/2023

السيرة الروائية للكاتب المغربي محمد شكري

 

تمثل روايات محمد شكري الثلاث: (الخبز الحافي، والشطار، ووجوه)، سيرته الذاتية، يتحدث فيهن عن واقع الحياة الاجتماعية التي عاصرها، بأسلوب روائي مباشر، تخطى في سرده للأحداث والتجارب التي مرت به حدود الخجل والجرأة.

يقول الدكتور صبري حافظ في مقال له ــ ملحق في آخر رواية الشطار ــ بعنوان (البنية النصية لسيرة التحرر من القهر): "وإذا كانت الحداثة وما بعد الحداثة تعمد إلى انتهاك المحرمات والعصف بكل الحواجز والحدود، فليس ثمة نص في أدبنا الحديث أشد جرأة في انتهاكه للمحرمات اللغوية والاجتماعية والجنسية من سيرة شكري" (ص 224).

     في رواية الخبز الحافي انصب الاهتمام في سردية الرواية على العلاقة الأسرية للكاتب بوالديه، فمن جهة الأم كان يكن لها المحبة والاحترام لشعوره بعاطفة حنانها عليه، أما والده فكان في نظره شخصية مقيته مجرمة يتمنى الخلاص منه بالموت أو السجن أو أي طريقة كانت، لما كان يقوم به من ضرب وركل له ولأمه لأي سبب، وقيامه بقتل أخيه الأصغر أمام عينيه، وحيرته كانت من استمرار علاقة والده بوالدته رغم كل ما تقاسي من خشونة طبعه وتجبره المقيت عليها وعلى ابنائها، ثم يعود مفسراً سبب ديمومة العلاقة بينهما يعتمد على قدرة والده على مراضاة أمه بتبعات العلاقة الزوجية، فمع كل مشكلة تحصل يتوقع ولادة مولود جديد للأسرة.

يصف شدة الجوع التي كان يقاسي منها وهو في سن السابعة، ويصف أيضاً حال فقراء ريف (إقليم الناظور)، الأمر الذي دفع الكثير من عوائل الريف إلى هجرته في العام 1942م، وتوجهوا إلى مدينة طنجة ــ والتي سيكون لها الدور المهم في سيرة حياته كلها ــ ولم يكن الحال في طنجة على الصورة التي كانوا يحلمون بها، ففي هذه المدينة بدأت حياة التشرد والعوز، وأن لم يكن بحد الموت من الجوع كما حدث لخاله الذي مات من الجوع في الريف، لأنه في هذه المدينة إن لم يجد عملاً فأنه لا يترفع عن أكل كل ما يمكن أن يتحصل عليه من القمامة.

تتطور معه الأمور مع تزايد عدد السنين التي تمر من عمره، ليعمل أجيراً في مقهى شعبي، يأتي والده ليقبض أجرته ويتركه يتدبر أمره بالسرقة، التي أصبحت سلوكاً يألفه، ومن ذلك المقهى دخل إلى عالم التدخين والحشيش، والخمر، فانطبعت سمة سلوكه بالانحراف والتشرد والذي كان يعد وقتها حالة طبيعية لكل من هو في مثل ظروفه الاجتماعية، وتنوعت طبيعة الأعمال التي مارسها لكسب قوت يومه، فعمل بائعاً للسجائر المهربة، وبائعاً للصحف، وعمل بائعاً للنثريات في الميناء، وأجيراً في معمل، فلم يكن يترفع عن أي عمل يمكنه القيام به، ولم يكن مضطراً لتحمل ظروف أي عمل والاستمرار به إن لم يرغب بذلك.

ومع وصوله سن البلوغ كان سلوكه الاجتماعي يدفعه نحو اشباع غريزته الجنسية، وهنا تكون سيرة محمد شكري وصفية حد المشاهدة الحسية، متحدثاً عن تجاربه مع النساء، وبيوت الدعارة، والخمارات، وحياة التشرد والنوم في أي مكان يتسع جسده المنهك، مقبرة كانت، أو مقعد على رصيف، أو جدار مخبز، المكان لا يهم عند المتشرد، المهم عنده ألا تصل إليه يد رجال الشرطة لتعتقله، أو يد لص ينتشل منه ما يكون معه من قطع نقدية، أو حتى بعض ملابسه، أو يتعرض للاغتصاب إن أفلسوا ولم يجدوا معه شيء يستفيدون منه.

في رواية الشطار، واصل محمد شكري سرد أحداث حياته الاجتماعية، مع التركيز على ناحية مهمة أدت إلى ولادة شخصية ثقافية مغربية لها بصمتها في المسيرة الأدبية العربية، فقد أصبح تلميذاً رغم بلوغة العشرين من العمر، وهذا التحول في حياته ساعده في التخلص من بعض السلوكيات التي اعتادها فلم يعد يحتاج للسرقة في تدبر أمور نفقاته، لم يعد يحتاج لاستعراض عضلاته في حل مشاكله اليومية، أصبح منكباً على القراءة وتوسيع مدركاته الثقافية.

في الوقت نفسه لم يرد محمد شكري أن يبعده هذا التغير في حياته الشخصية عن بيوت الدعارة والنساء والسكر، فهذه البيئة المناسبة له حتى يبقى على قيد الحياة. أثمرت تجربته التعليمية حتى أصبح معلماً في إحدى المدارس، وفي سياق سيرته الذاتية روى لنا حزنه على وفاة والدته، ويذكر أنه لم يدر بوفاة والده إلا بعدها باعوام، فلم يكن مهتما بذلك ولم يكن معارفه وأقربائه مهتمون بإبلاغه بالخبر لمعرفتهم بكرهه له، وهنا لابد من الإشارة إلى أن علاقة محمد شكري بوالده علاقة شاذة وغريبة عن الحالة الطبيعية لمجتمعات تولي مسألة بر الوالدين درجة كبيرة من الاهتمام، وقد يكون هذا واحد من الأسباب التي دفعت الكاتب الأمريكي بول باولز لنشر سيرته الذاتية في الصحافة عام 1972م، وفي الوقت نفسه ساهم ذلك في ترجمتها لعدد من اللغات الاجنبية، وترجمة إلى اللغة العربية في العام 1982م، وكان سبباً في رفض المجتمع العربي لسيرة محمد شكري لأنها تتعارض مع قيمه الاخلاقية والاجتماعية.

لا تبحث السيرة الروائية لمحمد شكري في رواياته الثلاث في محاولات إظهار أثر التطور الثقافي للشخص في سلوكياتهأ أو في محاولة التعذر بالجهل واعتباره سبباً للانحراف السلوكي للفرد، لهذا يقول في رواية وجوه: "لا يمكن معرفة كل شيء عما يمكن أن تؤثر به طفولة الكاتب على كتابته، فهو يكتب طفولته من خلال رجولته ونضجه" (ص 152)، بل إن السردية الروائية للسيرة الذاتية كما خطها محمد شكري كانت تتجه لإثارة فضول القارئ لمعرفة تفاصيل حياته، مدركاً أن الحديث عن مثل هذه الموضوعات الإنسانية بهذه السردية الروائية هو عنصر مهم من عناصر نجاح مسيرته الأدبية، وهذا يمكن تصوره من تعمد العودة في كل مرة يكتب فيها عن سيرته لذات المواضيع المثيرة للفضول، فقد كتب رواية "الشطار" بعد سنين من كتابة رواية "الخبز الحافي"، ثم بعد ذلك عاد ليكتب رواية "وجوه" والتي تدور قصص أبطالها في ذات المدار السردي المليئ بالتصوير التمثيلي للجنس، والتي يقول فيها: "اسفاً للذين يكتبون ولا يملكون ذاكرة مبدعة لعينة، إن كل كتابة مغوية تحمل سر الاعجاب بها أو إهمالها" (ص 10).

أدرك محمد شكري أن كتابته لسيرته الذاتية بأسلوب روائي مفرط في البذائة والوصف الماجن، شكل خرقاً في أخلاقيات الكتابة والتأليف، وجعل منه محل احتقار في مجتمعه يقول حيال ذلك في رواية وجوه: "لقد بصق علي بعضهم في الشارع، وفي الحانات، وفي المؤسسات الرسمية وغير الرسمية وفي كل مكان لأني كاتب ملعون" (ص 104)، ويقول أيضاً: "عندما اعترف بصريح ما أعرفه عن الأشخاص وصريحة ما أعرفه عن الاشياء أكون قد خلقت عدواً لا أعرف متى يثار مني ولو في الوهم. الصراحة ليست دائماً أم الحقيقة" (ص 156).

من خلال الاطلاع على السيرة الروائية لمحمد شكري في رواياته الثلاث تجد أن المحاور الموضوعية محصورة في رباعية "التشرد، الجنس، الخمور، الحشيش" وكان سرد محمد شكري تصويري فاضح لسلوكياته الشخصية دون الالتزام بأي قيود أو محددات أخلاقية أو دينية أو اجتماعية في عرض السردية الروائية، وهذا الانفلات لم يضف أي فائدة أدبية للعمل الروائي العربي، لكنه كسر حاجز الخوض الصريح في التجارب الشخصية والكتابة العفوية عن الواقع الاجتماعي بدون اعتبار لأي قيود أو محددات. وخلاصة القول إن روايات محمد شكري الممثلة لسيرته الذاتية ينطبق عليه القول: "لا مدحها يُجدي ولا ذمها".

19‏/04‏/2023

يوم العلم الأردني


      مع انطلاقة الثورة العربية الكبرى في 10/ 6/ 1916م، رُفعت الراية الممثلة للشريف الحسين بن علي التي امتازت بلونها الأحمر (القرمزي)، وهي راية الهاشميين المتوارثة منذ فرض السيطرة العثمانية على بلاد الشام والحجاز عام 1517م، واستمر اعتمادها حتى الذكرى السنوية الأولى للثورة العربية الكبرى 1917م، وفق ما ذكر جايمس بار في كتابه "الصحراء تشتعل" (ص 159)، مؤكداً أنه بعد هذا التاريخ تم اعتماد راية جديدة للثورة العربية الكبرى تتكون من ثلاثة قطع ملونة متساوية العرض تمتد أفقياً لتتحد في مثلث، وتستمد هذه الأجزاء الأربعة رمزيتها من الحضارة الإسلامية، إذ رمز اللون الأسود للخلافة العباسية، واللون الأبيض للخلافة الأموية، فيما كانت رمزية اللون الأخضر للدولة الفاطمية، وتتوحد هذه الأشرطة الثلاثة في مثلث أحمر قاعدته تلي السارية يمثل ثورة الشريف الحسين بن علي.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن ترتيب ألوان الراية لم يعتمد الترتيب الزمني في تاريخ نشوء الدول الإسلامية، لأن اختيار اللون الأسود في الطبقة العليا مع نسبته للدولة العباسية التي جاءت لاحقة للدولة الأموية يعارض ذلك، وينطبق ذلك على ترتيب اللون الأخضر بين ألوان الراية، والراجح أن تقديمه في ترتيب ألوان الراية عائداً لكون اللون الأسود يمثل راية الرسول صلى الله عليه وسلم، المعروفة باسم (العقاب)، لهذا قُدم على باقي ألوان الراية في الترتيب، وحتى عند قراءة رموز ألوان الراية من الأسفل إلى الأعلى لا يستقيم الأمر لأن ظهور الدولة الأموية سابق لظهور الدولة الفاطمية والتي بدورها لاحقة لتأسيس الدولة العباسية.

وهذه الألوان الأربعة أيضاً لها رمزية مشهورة في الشعر العربي وفق ما جاء في قول الشاعر صفي الدين الحلي:

بيضٌ صَنائِعُنا سودٌ وَقائِعُنا ***** خُضرٌ مَرابِعُنا حُمرٌ مَواضينا

    وخلال العهد الفيصلي في سوريا من تشرين أول/ أكتوبر 1918م، إلى آذار/ مارس 1920م، رفعت راية الثورة العربية الكبرى على المرافق الحكومية، وعند اعلان المؤتمر السوري العام استقلال سوريا بحدودها الطبيعية في 8/ 3/ 1920م، أقر المؤتمر السوري العام رفع الراية السورية الجديدة، وهذه الراية هي راية الثورة العربية مضافاً إليها نجمة سباعية في وسط المثلث الأحمر، وفق ما جاء عند نقولا زيادة في كتاب الثورة العربية الكبرى (ص 70). 

ويذكر الدكتور بكر خازر المجالي في مقال له بعنوان يوم العلم الأردني، أن المجموعات المرافقة للأمير عبدالله بن الحسين (الملك المؤسس) التي وصلت إلى معان في يوم 21/11/1920م، كانت ترفع راية الهاشميين الحمراء، وراية سوريا ذات النجمة السباعية، التي ترمز إلى المناطق السورية السبع، وبقيت هذا الراية تمثل الراية الرسمية لحكومة الشرق العربي، وفي العام 1922م، تمت إعادة ترتيب ألوان هذه الراية بحيث نقل اللون الأخضر إلى أسفل أجزائها مكان اللون الأبيض الذي أصبح يتوسطها.

     ومن ذلك الحين استقر شكل الراية ومقاساتها وفق ما جاء في المادة الثالثة من القانون الأساسي لشرق الأردن والذي تقرر العمل بع اعتباراً من 16 نيسان/ أبريل 1928م، حيث جاء نص المادة بالصيغة التالية: "تكون راية شرق الأردن على الشكل والمقاييس التالية: طولها ضعف عرضها وتقسم افقياً إلى ثلاث قطع متساوية متوازية العليا منها سوداء والوسطى بيضاء والسفلى خضراء ويوضع عليها مثلث أحمر قائم من ناحية السارية قاعدته مساوية لعرض الراية والارتفاع مساو لنصف طولها وفي المثلث كوكب أبيض مسبع حجمه مما يمكن أن يستوعب دائرة قطرها واحد من أربعة عشر من طول الراية وهو موضوع بحيث يكون وسطه عند نقطة تقاطع الخطوط بين زوايا المثلث وبحيث يكون المحور المار من أحد الرؤوس موازياً لقاعدة المثلث" انظر: ناهض حتر، في القضية الأردنية العربية (ص 92).

     ولما كان أول إقرار رسمي لشكل الراية الأردنية وتحديد مواصفاتها جاء بموجب القانون الأساسي لشرق الأردن الذي بدأ العمل به رسمياً بتاريخ 16/ 4/ 1928م، كان ذلك مناسبة لاعتبار هذا اليوم من كل عام، يوماً وطنياً للعلم الأردني، وتمت اتخاذ هذا القرار الإداري بموجب كتاب دولة رئيس الوزراء رقم 76/11/1/9778 تاريخ 31/3/ 2021م.


رابط نشر مقال يوم العلم الأردني في موقع عمون

05‏/04‏/2023

قراءة انطباعية في رواية "77 خريفاً" للكاتبة الأردنية فاطمة محمد الهلالات

 


     من إصدارات دار وائل للنشر في العام 2021، رواية بعنوان "77 خريفاً" للكاتبة الأردنية فاطمة محمد الهلالات، جاءت الرواية في 216 صفحة من القطع الصغير. تكرمت الكاتبة بإهدائي نسخة من الرواية فوجدت أن أقل الشكر قراءة الرواية وكتابة انطباعي عن مضمونها.

فإن كانت بداية الحديث عن أركان الرواية، نجد أن الكاتبة أعطت اسماء وكنى للشخصيات الثانوية في الرواية، ولم يكن الأمر كذلك مع بطل وبطلة الرواية، فذكرتهما في سياق الرواية بلا اسماء صريحة، استعاضت عن ذلك بتوظيف الحوار المباشر، مستخدمة الفعل والضمير، ومع ذلك كان توظيفها لــ (قال، قالت، أنا، أنتَ، أنتِ، صديقي) مريحاً للقارئ، وإلى جانب هذا الاستخدام، تمكنت الراوية من وصف شخصية كل منهما وصفاً تصويرياً، يكسب القارئ القدرة على إدراك حجم المعاناة التي تمثلها كل شخصية، فكانت بطلة الرواية فتاة غامضة الماضي والحاضر والمستقبل، وبطل الرواية شاب اكتسى ثوب الرهبنة الاجتماعية لا الرهبنة الدينية، في دلالة على الحرمان من مكتسبات الحضارة نتيجة الظروف التي يعيشها، وهذا الانطباع تولد مرة من الوصف المكاني لسكن بطل الرواية إذ يقول: "أنا أسكن صومعةً هناك، وإن شئتِ كهفاً.. سمّيهِ ما شئتِ" (ص 15)؛ "وقام من فراشه، وألقى أنّات جسده المرتجف على مقعده القديم" (ص 140)؛ "شعر بيد أبيه تمسك بالمقعد المنزلق في تيه الكهف" (ص 141). ومرة تالية تولد من قوله: "أخبرتكِ ذات مرة أنني لا أملك هاتفاً.. تلفازاً.. ولا حتى راديو.." (ص 182).

أما مسرح أحداث الرواية، فكان متنزه عام تكاد تشاهده من دقة وصف الكاتبة له، فمن جهة يطل هذا المتنزه على حافة منحدر، والجهة المقابلة الثانية للمتنزه يمتد على طولها طريق يعج بحركة المرور، وفي الجهة الثالثة من جهات المتنزه يمكنك مشاهدة موقف الحافلات، ويحيط بهذا المتنزه جدار حجري، ويحوي بين أركانه مقاعد خشبية ومقاعد صخرية، ونباتات مزروعة وأرجوحة، وهذا المكان بكل مكوناته له خصوصية هامة في تطور التدرج الزمني لسردية الرواية، فقد مثل حالات الفرح والسعادة لمرتاديه قبل تفشي وباء "كورونا"، ووفر فرصة اللقاء بين شخصيات الرواية، وفي مرحلة الحظر التي فرضتها إجراءات الوقاية من انتشار وباء "كورونا" وموت المكان من الزوار، ومن الفتاة التي مثلت دور البطولة في الرواية، بقي هذا المكان شاهداً على لهفة الشوق إلى لقاء بطلة الرواية من قبل "صديقها" بطل الرواية، الذي امضى أيام الحظر يرتاد المتنزه، ويشغل نفسه في مطالعة أوراق بطلة الرواية التي تركتها في حقيبتها على مقعدها عند آخر زيارة لها للمتنزه، ومن ثم الالتقاء من جديد في نفس المكان بعد تخفيف إجراءات الحظر، وبهذا التفاعل المكاني والزماني، تكون سردية الرواية كشفت عن ركنها الزمني بكل وضوح، والذي مثل زمن التعايش العالمي مع وباء كورونا.

أما البنية الموضوعية للرواية، فأنها تأسست على ثلاثة محاور تحاكي تقلبات الذات الإنسانية، ونطاق صراعها مع الأحداث الاجتماعية، وانعكاس هذا التأثير على تطلعات الفرد في بيئة عاجزة عن احتواء طموحاتها.

تبنى المحور الأول من سردية الرواية فكرة مقت الواقع، الذي انتجته التفاعلية البشرية السلبية في جوانبها الاجتماعية المختلفة، سياسية كانت أو اقتصادية، بحيث تكونت صورة ضبابية تخفي وراءها الحزن والبؤس من ويلات الحروب والنزوح والتشرد، نتيجة اجتهادات الحكام، والزعماء، والقيادات السياسية، وتجار الحروب، وكل من تولى للمجتمع الإنساني مهمة ولم يخلص في أدائها، وذهب مقدماً مصالحه الخاصة ومصالح فئته على حقوق العامة، وعلى الرغم من خصوصية الشرق كإقليم جغرافي في سردية الرواية، فأن الراوية لم تقف عند حدوده فقط في تأطير هذه الصورة، بل جعلت لها فضاء يتمدد ليُظل بظله كل العالم، فعن مطاحن الحروب تقول: "كلما طهوا بالدم كعكةً لمصلحتهم قالوا: لله .. للأديان .. للحق" (ص24). وتقول: "وهذه الأرض يا صديقي أرضٌ خضبتها الدماء والحروب منذ بداية الخليقة" (ص 29). وفي حوارها السردي عن المناسبات الاجتماعية والإنسانية، توظف انطباعها على لسان بطلة روايتها بصورة تدعو للدهشة، فمثلاً كان لها بمناسبة ذكرى عيد الحب رأي يقلب معنى الاسم إلى ضده بسياق شعري، إذ تقول:

"نعم، العيد أحمر ووردهُ أحمر

وأحمرنا لون الخوف

ولون الدم

يسيل رخيصاً في التراب

تغسله دمعات المطر

تحت أقدام العسكر

وأشباه البشر....." (ص 32)

المحور الموضوعي الثاني للرواية، كان يمثل حالة من حالات تفاعل الراوية مع الرواية، يظهر ذلك من خلال العاطفة الجياشة في السردية الروائية، التي كانت تحاول تكوين صورة عظيمة متخيلة لدور شخصية الأب في صبغ شخصية الأبناء، ودور هذه الشخصية المعين والمساعد في تخطي الأبناء لمصاعب الحياة، واللجوء إليه عند كل مرحلة من مراحل العمر، أو عند كل موقف قهر يخلخل كيان الفرد، لكن معالجة الراوية لهذا المحور كان يخالطه الكثير من الحزن والألم، نتيجة سبق الموت لروح الأب، ومقاساة شدة الحرمان من عاطفة الأبوة، والعيش في كنف اليتم ــ وكفى باليتم شر رفيق ــ فتخاطب نفسها فتقول: "وأنا يا أبتِ لم أعرفكَ فأنا لا أذكرك .. ولكن لهذا القلب دقاتٌ مختلفة وحساباتٌ ..." (ص 137)، وبلغة شعرية تقول:

 "وأُحادثك في نفسي

في كثير من الكلام

كنتُ أتمنى أن أحكيه

لو كنت معي" (ص 120).

وفي مواضع أخرى توظيف فرصة اطلاع صديقها بطل الرواية على أوراقها ورسائلها التي كتبت فيها خواطرها، فيقول في ذلك: "قرأتُ كلاماً كثيراً عن أبيها في رسالتها السادسة"... قالت فيها:

ومنذ رحلتَ يا أبتِ

وكلانا ميت

أنا فوقَ الأرض

وأنتَ تحتَ الأرض" (ص 130).

"وكتبت لك رسائلاً خبأتها لك

في جوف الليل" (ص 131).

وعندما يجتاح الحزن مشاعرها تخاطب والدها تقول: "هنا في مخدع الحزن يا أبتِ، كلما اشتدَّ حزني فاض حنيني إليك..." (ص 136).

وأميل هنا إلى القول بأن أسم الرواية جاء من استحضار هذه العاطفة، فكانت الدلالة عليه برمزية "77 خريفاً"، والتي يمكن تفسيرها بمجموع المدة الزمنية لعمر بطلة الرواية وعمر والدها ــ مع إمكان تفسيره تفسيراً آخر وفق سردية الرواية ــ وهذا الاستدلال يمكن أن يقودنا إلى الاعتقاد بأن المحور الموضوعي الأول والثاني من الرواية يحاكي فن السيرة الذاتية، مع الحرص على استخدام الأسلوب الفني الأدبي في الحوار السردي في بنية الرواية الموضوعية.

أما في المحور الموضوعي الثالث من محاور الرواية، فقد حاولت الراوية من خلاله خلق مفهوماً خاصاً للصداقة، فكان مصطلح "صديقي" مفتاح الحوار مع بطل الرواية على لسان البطلة، وفي الوقت نفسه، كان هذا المصطلح مثار التساؤل في نفس بطل الرواية، فلماذا تناديه "صديقي" وماذا تريد أن تفهمه؟ لا إجابة لا تخمينات، "وكانت كلما حدثتني تقول لي يا صديقي، ومنذ عرفتها وهي تجلس وحيدة! واستحضرت ذاكرته قولها لما سألها عن وحدتها وأكدت أنا منذ البدء وحدي، ولماذا تقول لي يا صديقي، وأنا غريب، وهي لا تصادق أحداً؟!" (ص 129).

ومن نتائج تعلمها من دروس العمر تقول: "أربعون عاماً من عمري مضت، لأفهم بأنه ما كان علي أن أضع رأسي على كتف أحد ..." (ص 133)، وتقول: "وأنا لم أخبركَ يا أبتِ أنني يوماً قد احتضنتُ صخرة، هل كان ذاك الحجر أرق وأرحم من قلوب كثيرة زرعت بين ضلوع البشر؟!" (ص 139).

وفي تمام سياق الرواية، تصور لنا عمق المشاعر التي فاضت بها نفس بطلة الرواية تجاه بطل الرواية بقولها: "كانت تتخيل .. وهي تضع رأسها باطمئنان على كتفهِ الأيمن، قال: بِمَ تحلمين؟ قالت: لا أحلام، هذا هو كل ما كنتُ أحلم به" (ص 207). وكأنها تريد أن تقول لنا أن صدق المشاعر ونبل الأخلاق، وقدرة الأفراد على التفاهم هو طريق السعادة، لهذا قالت في الحب: "ومن قال أنّ الحب كلمات تُقال ووروداً تُهدى، ونسيج شموع وخيال... من يحبك هو إنسان عميق الوجود في واقعك، يكون معك، كما أنت معه في كل شيء" (ص 8)، وعادت آخر الرواية لتقول لنا تذكرون موقف الحافلات الموجود على تلك الجهة من المتنزه، فإن به حافلة تنتظر ركوب صديقي بها ليسافر "وضع قدمهُ اليمنى على درج الحافلة، وأجهشَ ... فرحلَ بعضُها وبقيَ بعض..." (ص 209).

كانت سردية الرواية متماسكة واستطاعت الراوية التنقل بين محاور الرواية بسلاسة، وتمكنت من عكس مؤثرات الحالة التي تناقشها في نفسية القارئ، وكانت دقيقة في استخدام العبارات والكلمات، فكانت تشير إليها في سياق الحديث، ثم كلما تقدمت في قراءة سردية الرواية تجد أنها كانت تؤسس عليها البناء الموضوعي للرواية، فكل كلمة تكاد تكون مهمة في الرواية. وإلى جانب ذلك كان للخطاب الشعري حضوره في سردية الرواية، ومحاولة تفسير الأفكار التي تطرحها بأسلوب فني لطيف.

12‏/03‏/2023

قراءة انطباعية عن رواية "آرام" للكاتبة الأردنية فاطمة الهلالات


 

    أقامت مديرية ثقافة محافظة معان في مركز الأمير الحسين بن عبدالله الثاني الثقافي فعالية احتفالية بتاريخ 1/3/2023، بمناسبة إشهار رواية "آرام" الصادرة بدعم من وزارة الثقافة الأردنية، للكاتبة الروائية فاطمة محمد الهلالات. وخلال الفعالية أهدت مديرية الثقافة لكل شخص من الحضور نسخة من الرواية، وحظيت كل نسخة بتوقيع الإهداء من قبل كاتبة الرواية، والحال هذا حثني على قراءة الرواية، ومن ثم كتابة ما فاض به مداد القلم عنها.

رواية "آرام" كاتبتها نشمية أردنية عانقت في صباها وشبابها أصالة ارتباط الإنسان بالمكان، وتأثرت بالإرث التاريخي الخالد الذي تركه الأدوميون ومن ورث حضارتهم من الأنباط، ومن جاء بعدهم إلى يوم الناس هذا، فجاءت صرخة الحياة من ضواحي البتراء، لتقل: أنا هنا، لتقل: أن الإبداع إلى الآن ينثر أريج عطرة من منحوتات الصخور الوردية، لتقل: أعيش معكم معشر البشر وأشعر بأحاسيسكم أين ما كنتم في كل أرجاء الدنيا، لتقل: خذوا عني هذه الرواية. وجعلت بطل روايتها شاباً في الرابعة من عقود العمر أسمته "يوسف"، وهذا الولوج للعالم الذكوري جنب الراوية استغراق توظيف الأنا في السردية الروائية، وخلصها من طغيان الحكم العاطفي الأنثوي على مجريات الأحداث التي تعايش معها بطل روايتها، والتي تمثل منعطفات الحياة الاجتماعية بمختلف جوانبها.

وحتى تتمكن الراوية من تكوين صورة عامة للرواية، بنت فكرة الرواية على تدفق مستفيض من الأحلام التي تغلف حياة بطل الرواية "يوسف"، وخلقت من تفسير هذه الأحلام أدوات الطرح الموضوعي للمشاكل اليومية، وتكوين الانطباع الشخصي الذي يعبر عن فلسفة تعايش الفرد مع واقعه الاجتماعي، ومجمل ما يدور في خلده عن تصوراته للمعاناة الإنسانية، في عالم اختلت فيه معايير الحكم والتوازن.

فمنذ البداية كان مولد بطل الرواية في نظر والدته نحساً عليها، لأن والده مات بعد مولده، وهذا الشعور لم تُخفِهِ الوالدة عن ولدها، وهو ما ترك في نفسه الأثر السلبي تجاه مباهج الحياة وزينتها، امتد أثره مع مراحل عمره المختلفة، حتى عندما تزوج وكون نواة الأسرة لم يستطع تحمل تراكمات المشاكل والخلافات الزوجية، ولم يكن لديه بدائل للتعامل معها، ولم يجد مخرجاً للتخلص منها إلا طلاق زوجته "سمر"، واستمرت معه عقدة فشل تجربة الزواج ما تبقى من عمره، فلم تعد فكرة الزواج تُشغل باله، وإن حرص أعز أصدقائه على تغيير قناعاته، وهنا وظفت الكاتبة فيض من أحلام "يوسف"، فمرة كان يحلم بأنه يبحث عن فردة حذائه المفقود، في مكان لا يعرفه، ومرة يرتدي ثوباً لا يناسب جسده، وأن عليه أن يخلعه، ومرة يحلم بأن مركبته تهوي به وبزوجته في منحدر، وهو عاجز عن تفادي الموقف. وآخِر ما رآه قبل فراق زوجته، أنه يسلم عليها بيد مقطوعة.

ثم جاء قرار "يوسف" الخروج من قريته التي كان كل سكانها من عشيرته وأقاربه، لأنه لم يعد يجد فيها ما يدعوه للبقاء، بعد طلاقه لزوجته، ووفاة والدته، فما فائدة كثرة الأقارب والمعارف إن لم تكن تربطهم عاطفة ومحبة، لا بل إن العلاقات السائدة بينهم هي علاقات النفاق والتحاسد والبغض والظلم، فكان يتنامى في نفسه الشعور بأن يتركهم ويرحل، ولم يغب عن خلد الكاتبة أن توظف هنا ما يبرر هذا القرار ويؤكد رشده، فكان منها أن وظفت لذلك حلم رآه "يوسف" في منامه، يخبر عنه بقوله: "رأيت قريتي تغرق في ماء عميق كأنه البحر، ويعلوها الماء حتى أقصى قمم جبالها، واختفى الناس، وانمحى أثر المساكن والبيوت، ولم يبقَ غيري جالساً على قمة أحد جبالها، وبيني وبين الماء شبرين اثنين فقط"، هنا تدخلت الكاتبة من جديد فخلقت شخصية في روايتها مهمتها تفسير الحلم، كنت صاحبها بأبي قيس، فمنحته فرصة مقابلة "يوسف" في سفره، أو قل جعلت منه طيف مُتخيل يعرض في خاطر "يوسف" في ليلة سفر مرهقة، فسر حلم "يوسف" قائلاً: "لقد وقعت قريتك في الفتنة فعلاً، وما كان بينك وبين تلك الفتنة سوى ما ذكرتَ فنجوت".

لم تَكُف الأحلام عن المرور بخاطر "يوسف"، ولم تتوقف تأويلاتها عند حد، لكن توقفنا عند بعضها، وتركنا منها الكثير في سياق سردية الرواية لمطالعة القارئ، لأن الراوية نوعت في تناول المواضيع الاجتماعية، وقلبت مزاج القارئ بين يأس، وأمل، وحزن، وتوقع، وكان لها أقوال أطلقتها على لسان بطل روايتها "يوسف"، عند كل صعوبة تواجهه ويفكر فيها بالانتحار، فكانت تتدخل وتشعل في نفسه فتيل مصباح الإيمان، وتطلق على لسانه القول: "ولكن ما جدوى أن تنتحر؛ لتتخلص من أوجاع عالم دنيوي مؤقت زائل فانٍ، لتلقى حساباً وجزاءً جحيمياً أبديّاً؟!".

إلى جانب تعمد كاتبة الرواية تضمين الأحلام في سردية أحداث الرواية، كان لها إبهام آخر تعلق باسم الرواية "آرام" فآرام مصطلح استخدمته الكاتبة، ولم توظفه كشخصية من شخصيات الرواية، وحتى عند ذكرها في آخر الرواية لشخصية من الشخصيات باسم "آرام" لم تكن "آرام" هذه هي ذات "آرام" التي بدأت معنا الإشارة إليها من بداية سردية الرواية، وإن أكثرت الكاتبة التساؤل عن معنى مصطلح "آرام" في الرواية فلم تجب عنه بشكل صريح، وهذا يجعلنا نخلص إلى أن مصطلح "آرام" يمثل العلاقة الروحية بين الكاتبة وبين روايتها، وأنه يمثل حالة من حالات الحضور غير المباشر للكاتبة في الرواية.

وتضمنت الرواية عبارات جميلة للكاتبة تروح حِكماً إن شئت قل، أو قل إن شئت تدخلات فلسفية تضفي رمزية المعاني على الأحداث، منها: "إن كنت مؤمناً بحلمك فاتبعهُ أينما كان"، ويبدُ أن هذه العبارة لها خصوصية عند الكاتبة، فقد كانت واحدة من ثلاث جمل قصيرة مثلت مقدمة الرواية، وكانت تستهل بها إهداء الرواية لمن طلب توقيعها على نسخته. ومن أقوالها: "اختر لكسرك صمتاً يليق به" (ص:46)، ومع اختلاف المناسبة، فإن قولها هذا يذكرنا بقول الشاعر العراقي محمد الجواهري:

وحين تَطغَى على الحرّان جمرتهُ --- فالصمتُ أفضلُ ما يُطوى عليه فمُ

ومن أقوالها: "الأرض جميلة طاهرة، فإن لم تزينها بجمال خلقك، فلا تحكِ عن حبها، وأنتَ تلوثُ جمالها بقبحك" (ص:59). ولها القول: "وأما ما في قلبكَ فاتركه في قلبك، سيحتويه معك قبرك" (ص:110). وتقول: "... أكنّا لولا الأحلام حيينا؟!" (ص:131). وتقول: "امض مطمئناً بنقاء سريرتك، خيرٌ لك من أن تتلفت حولك خوفاً من تربص الذئاب" (ص: 152). وتقول: "كم هو مُحزن أن تنظر إلى حذاءك؛ لئلّا تفضح عيناك ما جَنتْ يداك..." (ص: 171).

لا أبالغ إن وصفت الرواية بالجميلة الممتعة، فمع انسياح الأفكار وشرودها وأنت تقرأ الرواية، توقفك دِقة التوصيف، وتكامل الصورة المتخيلة للحدث، مع استذكار كل حلم يرويه بطل الرواية، وتجد له الكاتبة مَدخلاً مُحكماً لاستكمال سياق الرواية، نعم تتعدد تأويلات ومفاهيم قراءة الرواية، وتُؤخذ مضامينها بتفاسير شتى، حسب ميول القارئ، لكن سعة المواضيع التي سردتها الكاتبة في روايتها تجعل مشارب القراء ــ على كل حال ــ تصدر مرتوية، بعد أن وردت ظامئة.