13‏/04‏/2016

إستراتيجية الدفاع الأردنية الجديدة


     تشغل إستراتيجية الدفاع الأردنية الأهمية الكبرى في السياسة الأردنية، وهذا أمر ليس بالجديد، ففي عهد الملك عبدالله الأول ابن الحسين، كان محور الاهتمام يقوم على استيعاب إسرائيل في المنطقة والمحافظة على الأراضي التي تحت السيطرة العربية، وتغيرت هذه الإستراتيجية لعدم القدرة على تحقيقها، وفي عهد الملك حسين تحولت الاهتمامات الإستراتيجية الدفاعية، لتشكيل خط دفاع من أهالي التجمعات السكانية، المحاذية للمناطق المحتلة من قبل إسرائيل، والذين يمكنهم الدفاع عن مناطقهم كقوة رديفة للجيش، في حال تم تدريبهم وتجهيزهم بالمعدات والمهمات العسكرية المطلوبة، وهذه الإستراتيجية الدفاعية كانت العنوان البارز في الخلافات بين الملك حسين، وقائد الجيش كلوب باشا، والذي استغنى الملك عن خدماته لاحقا بسبب معارضته لها وعدم قناعته بها.
     أما في عهد الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، فكانت الإستراتيجية الدفاعية قبل تطور الأحداث في كل من سوريا والعراق وتمدد الدولة الإسلامية السريع في كلا البلدين، واقتراب خطرها من الحدود الأردنية الشرقية والشمالية الشرقية، تعتمد على القوة العسكرية والأمنية في البلاد، ممثلة بالجيش وقوات الأمن والدرك لحفظ الأمن الداخلي، في ظل استقرار سياسي تعيشه البلاد، بعد توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل، إضافة إلى ارتباط الأردن بتحالفات دولية، توفر للأردن ضمان الاستقرار والمساعدة في حال تعرض البلاد لأي ظروف استثنائية قد تمر بها البلاد، ورتبت على الأردن أن يكون شريكا في أي تحالف تقوده الولايات المتحدة، يمكن أن يكون فيه تحقيق لمصالح البلدين. 
     ونظرا للتطور في الإمكانيات العسكرية لتنظيم الدولة الإسلامية، وتوسعها الكبير في كل من العراق وسوريا، وتنامي خطرها على الأردن، قرر الأردن اتخاذ إستراتيجية دفاعية جديدة، تقوم على منطق الهجوم بدل الدفاع، فدخل في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد الدولة الإسلامية، ومع بدايات العمليات العسكرية للتحالف ضد الدولة الإسلامية، والذي اقتصر على توجيه الضربات الجوية، سقطت طائرة أردنية في الرقة السورية وتم اسر طيارها، حيث شكل حرقه من قبل تنظيم الدولة الإسلامية كعملية انتقامية، صدمة كبيرة للأردنيين خصوصا، والفعاليات العالمية عموما، وزادت من إصرار القيادة الأردنية على مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، ولكن بإستراتيجية جديدة، نظرا لمحدودية الآثار المترتبة على التنظيم من خلال الضربات الجوية، والتي يمكن استقراء ابرز معالمها الرئيسية على الشكل التالي:
أولا: مع الأخذ بعين الاعتبار للمنطقة الجغرافية التي تربط الأردن بكل من سوريا والعراق، والتي باتت تخضع لسيطرة الدولة الإسلامية تقريباً، فهذه المنطقة صحراوية مكشوفة لا يمكن أن يتم التسلل منها على شكل مجموعات كبيرة، أو أرتال عسكرية بدون اكتشافها من قبل الدولة الإسلامية، في حال تنظيم أي عملية إمداد عسكري من الأردن، لسكان تلك المناطق من السنة، والذين يقاومون وجود الدولة الإسلامية في مناطقهم، أو الوقوف إلى جانبهم في مواجهات عسكرية برية ضد تنظيم الدولة الإسلامية. 
ثانيا: التجمعات السكانية الأردنية المواجهة للحدود العراقية والسورية، هي تجمعات عشائرية تربطها علاقات قربى في كثير من الأحيان، بالإضافة لعلاقات المصاهرة مع العشائر التي تقابلها في الطرف الآخر من الحدود.
ثالثا: تشكل معرفة أفراد العشائر الأردنيين في المنطقة الشمالية بالطرق غير الرسمية، والتي كانت تستخدم سابقا في عمليات التهريب بين الأردن وكل من العراق وسوريا، وسيلة يمكن الاستفادة منها في تزويد العشائر السورية والعراقية بالأسلحة، من خلال عمليات فردية يمكن إخضاعها لرقابة الأجهزة الأمنية الأردنية، لضمان وصولها للعشائر السنية العراقية والسورية، بدون وقوعها في أيدي جنود الدولة الإسلامية، وضمان عدم تسريب أي كمية من هذه الأسلحة أو الذخائر للداخل الأردني.
رابعا: تجاوز ضعف الإمكانيات الاقتصادية الأردنية في تقديم السلاح والعتاد للعشائر السنية العراقية والسورية، بحيث يكون مهمة الأردن توفير خط إمداد وتزويد والإشراف المباشر عليه، بعد السماح بدخول الأسلحة والذخائر لأراضيه لهذه الغاية من مصادرها المختلفة، وإدخالها بتنسيق مسبق مع الأجهزة المختصة.
    تشكل هذه الأركان الأربعة إستراتيجية دفاعية جديدة توفر للأردن عددا من الأهداف، من أهمها: تجنيب الأردن إرسال قوات عسكرية لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، لأن مهمة مواجهة الدولة الإسلامية عسكريا ستوكل للعشائر السنية في كل من العراق وسوريا، بعد إمدادهم بالأسلحة والذخائر عن طريق الأردن، كما ستساهم هذه الإستراتيجية في الحد من المد الشيعي لمناطق غرب العراق، من خلال إرسال قوات الحشد الشعبي والميليشيات الشيعية لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، ومن ثم سيطرتها على مناطق العشائر السنية غرب العراق، كما ستسهم هذه الإستراتيجية في تعزيز ولاء العشائر الأردنية للنظام الأردني في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، على اعتبار أنه واجب وطني وموقف موحد للأردنيين، كما ستؤدي هذه الإستراتيجية لعرقلة تمدد تنظيم الدولة الإسلامية في مناطق السنة في غرب العراق وشرق سوريا، إن نجحت جهود توفير وإرسال السلاح والعتاد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق