يقول الشاعر:
(الخَطْبُ جلَّ وأُلجمتْ أبياتي ...... والصمتُ بُحَّ مردداً آهاتي)
(والدمعُ سالَ معزياً أجفانَه ....... وبكى البيانُ مُسطِّراً عَبراتي)
(والهمُ أوْغلَ سيفَه في خاطري ...... والغمُ أذْكى الحزنَ في وجناتي)
(والدمعُ سالَ معزياً أجفانَه ....... وبكى البيانُ مُسطِّراً عَبراتي)
(والهمُ أوْغلَ سيفَه في خاطري ...... والغمُ أذْكى الحزنَ في وجناتي)
لم استطع حتى وفاة والدي أن أدرك
ذلك السر الذي يربط كبار السن في منازلهم وأهليهم، فقد كان المرض والحاجة الماسة
لتلقي العلاج، سببا قويا جدا لإنزال والدي في مستشفى الملكة رانيا في الطيبة، حيث
بقي مدة عشرة أيام في قسم ICU نتيجة وضعه الصحي الحرج، والتي قضاها وهو يقاسي حرارة الشوق
للخروج من المستشفى والعودة إلى منزله، مستعدا لتحمل مرارة الألم والمرض على
البقاء في المستشفى، رغم الجهود الكبيرة التي بذلها الكادر التمريضي في قسم ICU في المستشفى
لإنقاذ حياته، ورغم استعصاء العلاج ودخول والدي في حالة مرضية تنذر بقرب الأجل.
وقد تكون أصعب الساعات التي
عاشها والدي رحمه الله، تلك الساعات من الليل التي كان ينظر فيها من النافذة ينتظر
شروق الشمس، عسى أن تحمل معها خبرا مفرحا، يُزف إليه بان له خروج من المستشفى، رغم
إدراكه بأن خروجه من المستشفى يعني بالضرورة إصدار شهادة وفاته.
لم تكن تلك الأيام العشرة بالسهلة
عليه، ولم تكن بالأيام التي يُنتظر منها شفاء بالنسبة له، بل كانت في نظره أيام
عذاب، ومقاساة الأشواق، والرغبة في العودة إلى المنزل، فلازال يذكر مجلسه بين بنيه
وأحفاده، ولازال يحن إلى تلك السيجارة التي كانت سببا في وروده الموت، رغم اليقين
بان الموت اجل محتوم، ولازال يوصي خيرا بأهله، حتى احترقت كبده شوقا.
وبعد مضي عشرة الأيام هذه،
والتي كانت صحته فيها في تدهور مستمر، دخل في حالة الإنعاش لمدة أربعة أيام أخرى،
والتي وان كانت أيام صعبة على أبنائه وأشقائه ومن حوله، إلا أن خير ما يذكر فيها،
ذلك الجهد الكبير الذي بذله الكادر التمريضي في قسم ICU في المستشفى، بالإضافة إلى الأطباء، والذي
لا نملك حياله إلا الشكر الجزيل لهم، ونسأل الله عز وجل أن يجزيهم كل خير، لقاء
جهودهم وتواضعهم وحسن تعاملهم.
مضت تلك الأيام الأربعة عشر،
وخرج والدي من المستشفى مسجى على حمالة، ملفوفا بثوب ابيض، يحوي بين طياته تلك
الأشواق الحارة، وتلك الأماني العزيزة، وتلك الرحمة التي كانت تتوهج في عينيه،
غادر المستشفى مغادرا الدنيا، ولكن شاءت قدرة الله عز وجل، أن يكون له مرورا ببيته
قبل أن يدخل قبره، فما أعظمها تلك المشاعر التي تربط كبار السن في منازلهم
وأهليهم، وما أعظم اليقين بـقول
الله سبحانه وتعالى:{ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ }.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق