30‏/06‏/2013

الباشا أبو العبد


 

     قد يكون الوصول إلى كرسي السلطة يحتاج إلى محسوبية أو واسطة ذات وزن ثقيل، تستطيع رفع الشخص إلى درجة مدير عام في أي مؤسسة من مؤسسات البلد، وبعد عملية الرفع والتنصيب هذه، يُترك السيد المدير يصول ويجول في هذه المؤسسة التي وصل إليها، وفي كثير من الأحيان يكون هذا الوصول حاملا معه كل ألوان الفشل الإداري، الأمر الذي يتجه بالمؤسسة نحو التفكك والتدمير، وتصبح هذه المؤسسة عبء على اقتصاد البلد، الذي بفعل تكرر حالات الوصول إلى كراسي السلطة بطريقة المحاباة، أصبح يترنح من معاناته تجاوز المديونية حدود المقبول اقتصاديا لبلد بحجم الأردن.

     وعلى الرغم من كثرة التجارب الفاشلة في اختيار مدراء الدوائر، وتسليمهم مسؤوليات إدارة اقتصاد مؤسسات وطنية، إلا انه وفي نفس الوقت، منهم من استطاع أن يحافظ على الأقل في الظروف الصعبة، على تلك المؤسسات التي تسلموا إدارة شؤونها، ومنهم مدير عام الجمارك الأردنية غالب باشا الصرايرة، الذي صاحب فترة إدارته لدائرة الجمارك الأردنية، حالة اقتصادية صعبة، أثرت على دائرة الجمارك الأردنية كما أثرت على الاقتصاد الأردني بشكل عام، فمن الإغلاق المتكرر للحدود الأردنية من قبل الحكومة العراقية، وقطع خطوط التبادل التجاري، إلى تدهور الأوضاع الأمنية، و الإصابة بحالة من شلل الحركة التجارية مع الشقيقة سوريا، بسبب الأحداث الدائرة هناك، بالإضافة لتكرر حالات الإضراب الوظيفي، من قبل عمال ميناء العقبة والشركات المساندة له، الأمر الذي اثر على حركة مرور بضائع الترانزيت، وترتب عليه بشكل مباشر وغير مباشر عملية خفض في إيرادات دائرة الجمارك، والذي بدوره ينعكس على الإيراد العام للدولة، حيث تشكل الرسوم والضرائب المحصلة عن طريق الجمارك ما يقرب من ثلث الإيراد العام الدولة.

     أما فيما يخص الشأن الوظيفي لكوادر دائرة الجمارك، فرغم شمول دائرة الجمارك في منظومة هيكلة الرواتب الحكومية، إلا إن الباشا الكبير بأخلاقه وأمانته، استطاع أن يحافظ على مكتسبات الموظفين المالية، كتقدير منه لأهمية دور موظف الجمرك في حماية الاقتصاد الوطني، كما واستطاع أن ينأى بدائرة الجمارك من الدخول في موجة الإضرابات الوظيفية، بأسلوب على الأقل حمل معه اقل الخسائر على موظفي الدائرة.

     وعلى الرغم من تعرضي لعطوفة المدير العام للنقد في مقال سابق، بخصوص بعض الإجراءات الإدارية فيما يتعلق بعلاقة المدير مع موظفيه، إلا أنها تبقى في إطار الأخطاء التي من الممكن أن يقع بها أي مدير، تحكمها طبيعة العمل، وظروفه، وفي النهاية لا يسعنا إلا شكر عطوفة أبو العبد، على جهوده التي بذلها فترة تسلمه إدارة الجمارك الأردنية، والتي رغم كل إغراءاتها، إلا انه خرج منها بشهادة الجميع، نظيف اليد كريم النفس.

26‏/06‏/2013

الكراسي المتأرجحة




    
     كانت سياسة الدول الاستعمارية في بلادنا المُستعمرة، تقوم على تنصيب الحكام الموالين لها، وحتى بعد عصر الاستقلال الذي شهدته هذه الدول، لم تتغير هذه السياسة، فكل حاكم مدعوم من الدول المتنفذة في هذه الأقطار يؤول الحكم إليه بدون منازع.

     إلا أن الإطاحة بالرئيس التونسي المخلوع، وعقبه الرئيس المصري، والقضاء على القذافي، ولعبة الأمم وإسهامها في تنحية الرئيس اليمني، والشد والجذب الدولي في الإطاحة ببشار الأسد، ولدت لدى الشعوب العربية شعورا متزايدا بالثقة في النفس، يحملها على الاعتقاد بقدرتها على محاسبة الحكام وخلع أي منهم، رغم الدعم الخارجي الذي من الممكن أن يتلقاه، أو رغم قوة القاعدة الداخلية التي يتمركز عليها، والتي تتمثل بالولاء المطلق له من قبل الأجهزة الأمنية، أو من جماعات المصالح التي يرتبط بها.

     والحقيقة التي ندركها، أن الربيع العربي الذي أطاح بالزعامات البوليسية العربية، شكل صدمة سياسية استوجبت على دول العالم العظمى، المتنفذة في البلاد العربية والمخترِقة لأنظمتها تغيير طريقة تدخلها في زراعة الزعماء، فلجأت هذه الدول إلى طريقة استبدال المستهدفين شعبيا من الزعماء العرب قبل أن تطيح بهم شعوبهم، فأصبحت سياساتها تصب في اتجاه تغيير المرضى والعجائز بزعامات شابه، ولكن على أن تكون هذه الزعامات الجديدة أكثر ولاء لأسيادهم الجدد من ولائهم لبلدانهم وشعوبهم.

     وقد يكون هناك توجه آخر للدول العظمى، يهدف إلى استبدال المغضوب عليهم شعبيا من الحكام العرب، اللذين تعيش بلدانهم اضطرابات شعبية، بحجة تهدئة النفوس وعدم جر البلاد في دوامات التفرقة العنصرية، ولا نستبعد اتخاذ تلك الدول العظمى اتجاه سياسي جديد، يصب في تغيير احد الحكام بأحد أشقائه أو أقاربه، بحجة إغلاق ملفات الفساد في بلاده، وقطع الطريق أمام المعارضة التي تتهمه برعاية الفساد، في حين أن المعارضة نفسها غير مرغوب بها من طرف الدول العظمى، والتي يعتبر أي تنامي في شعبيتها مصدر قلق دائم ومربك لكل دول الجوار.

     فالتغيير في قطر يعني أن المشرق العربي سيعيش حالة من التغيير تعتبر ارتداد للربيع العربي، ولكن بهيمنة غربية إسرائيلية، فكثيرة هي الكراسي المتأرجحة في المنطقة، وملحة جدا المطالب الشعبية في تغيير الحكام، والدخول في إجراء إصلاحات حقيقية، تسهم في المحافظة على ما بقي من أشلاء دول مزقها الفساد والخضوع والانقياد، وعلى الجميع أن يدرك أن أزهار الربيع عمرها قصير، وان خير ما يديمها هي دورة الأيام.  


18‏/06‏/2013

إنا بك لمحزونون


 

يقول الشاعر:

(الخَطْبُ جلَّ وأُلجمتْ أبياتي ...... والصمتُ بُحَّ مردداً آهاتي)
(والدمعُ سالَ معزياً أجفانَه ....... وبكى البيانُ مُسطِّراً عَبراتي)
(والهمُ أوْغلَ سيفَه في خاطري ......  والغمُ أذْكى الحزنَ في وجناتي)

 

     لم استطع حتى وفاة والدي أن أدرك ذلك السر الذي يربط كبار السن في منازلهم وأهليهم، فقد كان المرض والحاجة الماسة لتلقي العلاج، سببا قويا جدا لإنزال والدي في مستشفى الملكة رانيا في الطيبة، حيث بقي مدة عشرة أيام في قسم ICU نتيجة وضعه الصحي الحرج، والتي قضاها وهو يقاسي حرارة الشوق للخروج من المستشفى والعودة إلى منزله، مستعدا لتحمل مرارة الألم والمرض على البقاء في المستشفى، رغم الجهود الكبيرة التي بذلها الكادر التمريضي في قسم ICU في المستشفى لإنقاذ حياته، ورغم استعصاء العلاج ودخول والدي في حالة مرضية تنذر بقرب الأجل.

     وقد تكون أصعب الساعات التي عاشها والدي رحمه الله، تلك الساعات من الليل التي كان ينظر فيها من النافذة ينتظر شروق الشمس، عسى أن تحمل معها خبرا مفرحا، يُزف إليه بان له خروج من المستشفى، رغم إدراكه بأن خروجه من المستشفى يعني بالضرورة إصدار شهادة وفاته.

     لم تكن تلك الأيام العشرة بالسهلة عليه، ولم تكن بالأيام التي يُنتظر منها شفاء بالنسبة له، بل كانت في نظره أيام عذاب، ومقاساة الأشواق، والرغبة في العودة إلى المنزل، فلازال يذكر مجلسه بين بنيه وأحفاده، ولازال يحن إلى تلك السيجارة التي كانت سببا في وروده الموت، رغم اليقين بان الموت اجل محتوم، ولازال يوصي خيرا بأهله، حتى احترقت كبده شوقا.

     وبعد مضي عشرة الأيام هذه، والتي كانت صحته فيها في تدهور مستمر، دخل في حالة الإنعاش لمدة أربعة أيام أخرى، والتي وان كانت أيام صعبة على أبنائه وأشقائه ومن حوله، إلا أن خير ما يذكر فيها، ذلك الجهد الكبير الذي بذله الكادر التمريضي في قسم ICU في المستشفى، بالإضافة إلى الأطباء، والذي لا نملك حياله إلا الشكر الجزيل لهم، ونسأل الله عز وجل أن يجزيهم كل خير، لقاء جهودهم وتواضعهم وحسن تعاملهم.

     مضت تلك الأيام الأربعة عشر، وخرج والدي من المستشفى مسجى على حمالة، ملفوفا بثوب ابيض، يحوي بين طياته تلك الأشواق الحارة، وتلك الأماني العزيزة، وتلك الرحمة التي كانت تتوهج في عينيه، غادر المستشفى مغادرا الدنيا، ولكن شاءت قدرة الله عز وجل، أن يكون له مرورا ببيته قبل أن يدخل قبره، فما أعظمها تلك المشاعر التي تربط كبار السن في منازلهم وأهليهم، وما أعظم اليقين بـقول الله سبحانه وتعالى:{ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ }.