30‏/12‏/2013

الفساد في الإنفاق الحكومي


     يشكل الإنفاق الحكومي العام بشقية الرأسمالي والجاري اكبر تحدي أمام واضعي السياسة المالية في الدولة، فمثلا الإنفاق العام الجاري والمتمثل بالإنفاق على الدفاع والصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية، يستنفذ أكثر من 85% من حجم إنفاق الدولة العام، وبالنظر للموازنة العامة للدولة، يتوجب على الحكومة اعتماد سياسة مالية رشيدة، تمكنها من تحديد أولوياتها بدقة، وتوجيه الإنفاق نحوها، والابتعاد عن أي تسريب مالي على شكل نفقات عامة يؤدي إلى هدر الموارد المالية المحدودة جدا للدولة.

     وفي هذا الصدد انوه إلى وجه من وجوه الإنفاق العام، الذي يعد تسريب مالي ينعكس سلبا على أداء الاقتصاد الوطني، وهو الإنفاق الحكومي بتأمين السكن الوظيفي، وتحمل مصاريف المساكن الوظيفية بعد ذلك، فعلى سبيل المثال تمتلك الحكومة من ضمن الدومين الحكومي، مساكن تقوم بتأجيرها للموظفين مقابل بدلات مالية بسيطة، قياسا بمستوى بدلات الإيجار للمساكن بسعر السوق، ضمن المواقع التي تكون بها هذه المساكن، وهنا قد لا تكون هناك أية مشكلة، فالحكومة لا تتحمل أية كلفة إضافية لقاء تأجير هذه المساكن ببدلات مالية وان كانت بسيطة، ولكن المشكلة تكمن في الأثر المترتب على الاقتصاد الوطني، في حال قيام المؤسسات الحكومية باستئجار شقق سكنية للموظفين بسعر السوق، من القطاع الخاص، ومنحها للموظفين ببدلات إجار رمزية مع تتحمل الدولة كلفة الفرق بين رسم الاستئجار بسعر السوق، وبدل التأجير للموظف بالبدل المالي الرمزي، وفي بعض الحالات تتحمل الحكومة أيضا نفقات الماء والكهرباء، لهذه المساكن المستخدمة من قبل الموظفين تحت اسم السكن الوظيفي.

     فإذا كنا في زمن الحديث عن العدالة المجتمعية، فمن المؤكد أن الحكومة عاجزة عن تأمين سكن لكل موظف، وتحمل نفقاته من ماء وكهرباء، فالأولى بالحكومة اقتصار تأمين المساكن على ما تمتلكه فقط من مساكن ( دومين حكومي)، ويكون التوزيع وفق آليات ومسوغات عادلة، والتوقف فورا عن دفع أي مستحقات مالية، بدل خدمات الماء والكهرباء والمترتبة على السكن الوظيفي لأي من الموظفين المستفيدين من خدمات السكن الوظيفي.

     وإذا كنا نرى أن الفساد مفهوم عام للسلوكيات السلبية و الخاطئة التي تهدف إلى اكتساب أو إكساب منفعة مادية أو معنوية بغير وجه حق، خلال ممارسة مهام تسيير عمل ما، أو خلال فترة السيطرة على القرار المسير للعمل، فيجب التوقف عن استئجار المساكن وإعادة تأجيرها بحجة تأمين سكن وظيفي لبعض الموظفين على حساب الحكومة.

     وإذا كنا نرى أن الاقتصاد العام للبلاد يعجز عن الوقوف على قدميه، فعلى الجميع تحمل مسؤولياته، وعدم تحميل العامة مصروفات الخاصة، تحت ذريعة المكتسبات الوظيفية، وعلى الحكومة ضبط الإنفاق بالشكل الذي يؤمن للبلاد تحقيق توازن مالي وتوازن اجتماعي لا يمكن لأي طرف الاستغناء عنه.

02‏/12‏/2013

العيش في ظل كذبة كبيرة


     يتميز الشعب الأردني من بين الشعوب العربية بأنه شعب متعلم، ولديه طاقات بشرية كبيرة قادرة على تحقيق انجازات تقنية وعلمية، إذا توفرت الإمكانات والموارد المناسبة، وكثير من أصحاب رايات النجاح تمكنوا من بناء قدراتهم الذاتية بعصامية تامة، واستطاعوا إثبات نظريات النجاح بكل كفاءة واقتدار، ومع ذلك أيضا تمكن أفراد من الشعب الأردني أن يثبتوا للعالم اجمع أنهم يمتلكون قدرات خارقة في التميز والفهلوة وتحقيق الانجازات العظيمة من السراب.

     فنحن في الأردن البلد الوحيد الذي استطاع أن يحقق مردود اقتصادي كبير من عوائد الخصخصة، ولم يسجل قيد قانوني واحد يثبت انه تم التصرف بأي من هذه العوائد لغير الأغراض المخطط للإنفاق عليها، بمعنى أن مستوى الفساد صفر، ونتيجة لذلك شهد قطاع الأعمال الأردني نموا كبيرا، فاق النمو الذي عاشه الاقتصاد الأردني مطلع الثمانينات من القرن الماضي، وانخفض مستوى البطالة لأدنى معدل له في تاريخ المملكة، رغم التصريح الحكومي على محافظة بياناتها على نسبة 12-13% التي تتستر بها لغايات تحصيل المنح والدعم للاقتصاد الوطني، وهذه كذبة كبيرة وللأسف أننا نعيش في ظلالها ولا يوجد ما يثبت عكسها.

     أما في مجال الإبداع الإداري فحدث ولا حرج، فالحكومة تتبنى سياسات ترشيد إنفاق حكيمة، وتشدد الرقابة على العطاءات الحكومية، وتراعي في ذلك المهنية العالية، وتحرص على تحقيق أعلى درجات الجودة عند استلام المشاريع المنفذة، فالمدارس والمستشفيات والطرق المنفذة من قبل المتعهدين وشركات المقاولات، لا تعاني من أي مشاكل أو عيوب، بل يتم استلامها وفقا للأسس والشروط المحددة، ولا داعي لرفض استلام أي مشروع، فكل الكتابات على الورق، تثبت سلامة وصحة الأعمال، وان كانت الشواهد البصرية تكذب ذلك، فربما عذر الحكومة أن ذلك لا يعدو كونه خداع بصر، أو إنها كذبة كبيرة نقنع أنفسنا بصدقها، ومصداقية الحكومة عند الحديث بخصوصها.

     أما فيما يتعلق بالنظريات الاقتصادية وحجج الإقناع، فيكفي لنا تصريح صغير مقتضب من دولة رئيس الوزراء، يغني عن كل النظريات التي درسناها بالجامعات، لإقناع الشعب الأردني عالمه ومتعلمه وجاهله، بان البلاد كانت على هاوية الإفلاس، وإنها بدون عبدالله النسور ستكون في مقبرة التاريخ، وأنها ستكون بلاد بدون بشر، ونحن نصدق أن عبدالله النسور بطل وطني، أو على الأقل يشبح ببطولات مبنية على انقاذ الأوهام، والغريب العجيب أننا رغم إدراكنا لفهلوة وشطارة النسور، إلا إننا نقتنع بكلامه، وخصوصا إذا أعسل لسانه بالحديث واسترسل في حب الوطن.

    أما آخر إصدارات الفهلوة الأردنية والعبقرية الإدارية، فهي قضايا نصب على الشعب، إما أن نكون فيها ضحايا أو جناة، وهذا ما ستكشفه الأيام بعد إشاعة خبر بيع حصة مؤسسة الضمان في بنك الإسكان، فان صدق الخبر فعلى البلاد السلام، ولن يجدي لسان النسور نفعا يومها، ولن يكون المواطن ساذجا ليجد عذرا لمجلس النواب إن مرر هذه القضية، مثل ما مرر قضية الكازينو قبلها، أو ربما تحيل هيئة مكافحة الفساد القضية إلى الصندوق البلاستيكي العجيب، الذي تمكن من حفظ كبريات قضايا الفساد.

02‏/11‏/2013

طاق طاق طاقية


     زمان كنا في المدارس في حصة الرياضة، يجلسنا معلم الرياضة على شكل دائرة من كل التلاميذ في الصف، ويعطي احد التلاميذ منديل، ويطلب منه أن يدور حول باقي التلاميذ، ويرمي هذا المنديل وراء احد التلاميذ الجالسين، والمطلوب من الذي يٌبتلى بهذا المنديل أن يقوم ويركض خلف من رمى المنديل وراءه، إلى أن يمسك به، ليعود ويجلس مكانه، ثم يقوم هو أيضا برمي المنديل خلف طالب آخر، وتتكرر العملية إلى أن تنتهي حصة الرياضة، وهذا حالنا، التلاميذ جالسين وكل واحد منهم  خائف أن يرمى المنديل وراءه، و واحد راكض وملحوق من واحد راكض، والنتيجة فقط طاقة تتفرغ، وقت يضيع، ومخاوف تنتهي بانتهاء اللعبة، وبعد ما كبرنا، وجدنا أن فكرة اللعبة هي سياسة تتبعها الحكومات الأردنية المتعاقبة، كل حكومة تلف وتدور، وتتفنن في تضييع الوقت، وتفرغ طاقات البلد بلا فائدة، وتضيع موارده بلا مردود، وترمي نفاياتها على الحكومة التي تأتي بعدها.

     والطريف في الموضوع أن الحكومة الأردنية الرشيدة، طالعتنا منذ أيام، بتصاريح رنانة وذات بلاغة في التعبير، فتصريح حكومتنا الرشيدة جاء بنص - أننا انسحبنا من السوق بعد أن ضبطنا الأسعار- كسياسة علاجيه من قبلها، لحل مشكلة ارتفاع أسعار الخضار.

     والعجب أن الحكومات الوطنية الشفافة التي تتفنن في إيجاد الحلول للمشاكل بعد وقوعها، لا يوجد لديها تطلعات حقيقية للمستقبل، ولا تكاد خططها الإستراتيجية تزيد عن مجموعة أفكار، مصبوبة في قوالب لا تصلح إلا للاستهلاك الإعلامي والكلامي التنظيري، وإعلانه على شكل خطط مستقبلية لا تطمح الحكومات لتحقيقها بجدية، بل تحلم وتتأمل أن يكون لديها عزيمة على أن تحققها، فالإرادة والجدية والموضوعية، مصطلحات ليست موجودة في قاموس المخططين والمفكرين الاستراتيجيين في بلادنا، عداك عن المنفذين وأهل السلطة.

     فكل ما نستطيع إيجاده من أفكار في جلسات العصف الذهني، هو إجابات عن ماذا فعلنا عندما واجهتنا هذه المشكلة العام الماضي، والإجابة طبعا تكون صرح مصدر مسئول أن الحلول الجذرية لهذه المشكلة، تكون بتنفيذ خطة الحكومة في تحديد الأولويات وبرمجة أوقاتها، إلا أن ما تسبب في الإخفاق، هو عدم مبالاة المواطنون في تبني الأفكار الإستراتيجية التي تقترحها الحكومة، وعدم الكف عن مهاجمتها إعلاميا، ولجوء بعض المسئولين في بعض الأحيان إلى التراجع عن تنفيذ الخطة، وإصرارهم على تطبيق سياسات تقليدية انفرادية، تتماشى مع مصالحهم واعتباراتهم الخاصة.

     فمشكلتنا لم تكن محصورة في تحرير أسعار المشتقات النفطية، بل ظهرت مشكلة الكهرباء، ولم تنتهي المشاكل برفع الدعم الحكومي عنها، بل أصبحت المشكلة اليوم في قدرة الحكومة في التعامل مع توفير الغذاء للمواطن، بما يتناسب مع دخله وإمكانياته، ولم تقف المشاكل عند هذا الحد، فمع سقوط حبات المطر مع بداية الموسم المطري، صاحت عمان من الفوضى، ويصرح مصدر مسئول على الإذاعة الأردنية، أن حلول مشاكل عمان، قد يحتاج لملياري دينار على الأقل، لتكون عمان مدينة نظيفة وصالحة للعيش، بدون مشاكل في تصريف مياه الأمطار.

     فإلى أن تنتهي لعبة اللف والدوران الحكومي، والى أن ينتهي زمن الخوف من الوقوع في حبائل الدولة، والى أن تنتهي سياسات تضييع الموارد الوطنية، أرجو أن يجد التلاميذ في المدارس لعبة غير كرة القدم، لان المستوحى من اللعبة، أن الحكومة ستركل المواطن بأقدامها حتى يدر لها دخلا، تستطيع من خلاله البقاء واقفة على أقدامها، إن انطلى على كرة القدم ما انطلى على لعبتنا القديمة طاق طاق طاقية.

29‏/10‏/2013

طين بطين


     من أقوال الجاحظ قوله: ليس في الأرض عمل أكدُّ لأهله من سياسة العوام، وينقل عن شيخه واصل بن عطاء قوله، ارجعوا الطيان إلى تطيينه، وكل إنسان إلى صناعته، واعلموا أن المنطق يقول ( قاربوا هذه السفلة(العوام) وباعدوها، وكونوا معها وفارقوها، واعلموا أن الغلبة لمن كانت معه، وان المقهور من صارت عليه).

    وفي الواقع إن كنا نتذمر من التوريث في المناصب القيادية في بلادنا، ونستكثر على دولة احدهم انه ابن دولة، وحفيد دولة، وآخر دولة شقيق مدير مخابرات، واحدهم معالي ابن معالي، أو معالي زوجة معالي، أو مستشار ابن دولة، أو مدير ابن دولة، فالتاريخ السياسي الإسلامي مليء بمثل هذه الأفكار والسلوكيات، ففي العصر العباسي كان هذا التوريث أيضا موجود، فمثلا الوزير ابن مقله، خلفه ابنه وهو في الثامنة عشرة من عمره ( فطحل ابن فطل)، وكذلك تولى أبو الفتح بن العميد الوزارة بعد أبيه، وعمره واحد وعشرون سنه ( ابن عز يا عمي)، ومن آل خاقان أربعة وزراء في سبعين سنة ( مطوبة بأسمائهم الوزارة )، وكذلك تقلب أربعة من بني الفرات الوزارة في خمسين سنة ( ليش آل خاقان أحسن منهم يعني)، وكان ابن العميد وزيرا لعماد الدولة، وكان ابنه وحفيده وزيرين لركن الدولة ( إحنا بهالبلد أحسن منهم يعني)، وأما بنو وهب فقد توارث عشرة منهم أرقى مناصب الدولة، وكان أربعة منهم وزراء ( ومستكثرين اليوم على واحد وعياله ثلاث كراسي قيادية).

     وعلى الرغم من الركض وراء الإصلاح في بلادنا، ودب الصدر بالالتزام بهذا النهج، إلا إننا نجد أننا كل يوم نترنح ونرجع للوراء - بالمخابطة والملاخمة- وكل ما نحاول نتفهم مصيبة ونلتمس أعذار، تظهر لنا مصيبة اكبر عشر مرات - وهات دبرها عاد-  واقنع هالشعب بالمصالح الوطنية العليا، وبعد النظر السياسي الثاقب -  وزغردي يا مطيعة -.

     بلد فيه ستة ملايين بني آدم، من غير الإخوة السوريين والمصريين، وباقي الجنسيات العربية والأجنبية، استبعد الثلثين منهم بحجة أننا شعب فتي، باقي مليونين، خلي تسعين بالمائة منهم ما هو قاري ولا يفهم بالسياسة والإدارة- ول هالميتين ألف اللي بقو - منتو لاقين منهم كم واحد تحطوه مسئول، وتسووا منه شخصية كبيرة بهالبلد، بدل هالي حاطينهم وتكرروهم وتورثوهم واغلبهم وجهه ورا، ومهتمين بتلميعهم، وتعملوا منهم رواد التغيير والإصلاح، وكل خلفيتنا عنهم طين بطين.

22‏/10‏/2013

حلو لسان قليل إحسان


     يبدو أن الأعذار التي كنا نلتمسها لدولة رئيس الوزراء، والتي جاء بها إلينا عند تحرير أسعار المحروقات، لم تعد تؤدي الغرض منها عند تحديد أسعار قوت المواطن، وان النتيجة التي وصلنا إليها، أن السياسات التي اتبعها دولة الرئيس لإنقاذ الاقتصاد الوطني كانت سياسات تحزُرية، وتخمينية، أكثر منها علمية وواقعية، بدلالة بقاء المشكلة الاقتصادية قائمة، رغم العلاجات الجراحية التي قام بها دولة النسور وأثقلت كاهل المواطن، وزعزعت الثقة بالوضع الاستثماري في المملكة.

     ومما يلاحظ على سياسات دولة الرئيس المالية، انه حريص على ما بأيدي الناس وجيوبها، على ما هو موجود في خزانة الدولة، وذلك باتخاذ إجراءات تحرير ورفع، بدل اتخاذ إجراءات حقيقية وفاعلة في تخفيض الإنفاق، والاكتفاء بتلك اللائحة التي تصدر بها الكلام من دمج بعض الهيئات وإلغاء أخرى، فكانت كالماكياج على وجه العجوز.

     وعلى الرغم من تردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد، فان اللوم لن يتعدى النسور، فالرجل أتى بمجلس نيابي استطاع من خلاله أن يحافظ على كرسي رئاسة الوزراء، فهذه لعبة الديمقراطية، وهذه فنونها، فهذه الحصانة التي يرجو دولته أن تثمر ثمارها، شرط من شروط الإصلاح الذي يطالب به الشارع، وسكانه، ومن هو مؤهل للإقامة بالسجون، والمساجين أصحاب المطالب الإصلاحية.

     إلا انه وبرغم الوعود الكثيرة بحصانة إرادة الشعب في اختيار الرئيس، إلا أن أيام النسور باتت معدودة لسببين من وجهة نظري، أولهما أن دولة الرئيس بقي عليه تحرير أسعار الخبز، وهذه لن تشكل له هم كبير، فالرجل يمتلك من حلو الكلام ما يمكنه به من إقناع الشعب بالضرورة الاقتصادية الملحة لهذا القرار، وانه قرار استراتيجي لإنقاذ اقتصاد البلاد، بعد تخلى الدول المانحة عن دعم الحكومة نتيجة قراراتها المحافظة على المصالح العربية الإستراتيجية، ونتيجة محايدة القرارات الحكومية وعدم تدخلها بالشؤون الداخلية لدول الجوار والمنطقة.

     أما السبب الثاني فقد يكون لا دخل لدولته به، ولكنه سيكون آخر من يعلم به، فهو أن القرار السياسي في البلاد يفرض على أصحابه التخلي عن أي رئيس وزراء إذا رأى أن الرئيس قد أنهى المهام التي كلف بها - لا اقصد بكتاب التكليف - ولكن التي كلف بها ليكلف أصلا، ويبدو أن النسور قد قطع شوطا كبيرا في السراح بعقول الشعب، وقد أفنى كل حلو الكلام الذي اكتسبه خلال حياته السياسية والعملية، وقد وصل إلى النتيجة التي ستحكى عنه، كثمرة لهذه الخبرة الطويلة من بنات شفاه الناس، وهي أن دولته حلو لسان قليل إحسان.

01‏/08‏/2013

بيروقراطية القُضاة


     من المتعارف عليه أن الجهاز التنفيذي الحكومي يعتبر بيئة خصبة لاستفحال البيروقراطية، ومع ذلك استطاع الجهاز الحكومي من خلال تبنية سياسات خدمة الجمهور، وتطبيق معايير الجودة، أن يُحسن من أداءه، ويتجاوز نقاط الضعف في كثير من الأحيان، وصولا إلى تقديم خدمات في غاية السهولة، وخير مثال على هذا التعافي من المرض البيروقراطي، تطور وتميز أداء إدارة ترخيص السواقين والمركبات، كجهة عسكرية تقدم خدمات مباشرة للجمهور، وأداء الجمارك الأردنية، كجهة حكومية مدنية، في سرعة تقديم الخدمات ووضوح الإجراءات المتبعة لديهم، لتقديم تلك الخدمات لمتلقي الخدمة.

     ولكن تعظم المشكلة عندما يكون المرض البيروقراطي مستفحلا في أجهزة السلطة القضائية، ومن خلال التجربة الشخصية في هذا السياق، فقد استمرت إجراءات قضية تصحيح اسم في معاملة متوفى، في إحدى محاكم البادية الجنوبية، إلى قرابة الشهر، بين أول جلسة والنطق بالحكم، إلى البشرى بقرب استلام قرار الحكم، فعند النطق بالحكم قلنا فُرجت، إلا أن رحلة البيروقراطية كانت في أول الطريق، فكانت عملية تسليم صاحب الدعوى لقرار الحكم تحكمها كثير من العقبات، أولها عدم التفرغ لطباعة صفحة على برنامج الوورد تتضمن نص قرار الحكم، ثم تدقيق هذه الصفحة وتوقيعها من سعادة القاضي، ثم تسجيلها في الديوان وتسليمها لصاحب العلاقة، ليقوم بدورة بمتابعة إجراءات قضيته، والتي للآن ننتظر أن نحصل عليها منذ أكثر من عشرة أيام.

     عجبا لمن يكون خصمه قاضيا، كيف له أن يحصل على حقه، أو ربما إن سعادة القاضي يحتاج لكثير تأمل واستغراق في النصوص القانونية، لكي يستجلي الحق ويلحقه بأهله أو أن سعادة القاضي يرى انه سلطه لا تعلوها سلطه، فقديما قالوا إن كان خصمك القاضي فمن تقاضي، حتى بدأت أفكر جديا بالتوجه لمحكمة أخرى، وإقامة الدعوى من جديد عند احد القضاة، عسى أن يكون اقل بيروقراطية، أو يكون على الأقل اقل كاريزمية من صاحبنا سعادة القاضي.

عسى الله أن يحفظ لنا هيبة القضاء، بعد أن فقدنا هيبة الأمن.

30‏/06‏/2013

الباشا أبو العبد


 

     قد يكون الوصول إلى كرسي السلطة يحتاج إلى محسوبية أو واسطة ذات وزن ثقيل، تستطيع رفع الشخص إلى درجة مدير عام في أي مؤسسة من مؤسسات البلد، وبعد عملية الرفع والتنصيب هذه، يُترك السيد المدير يصول ويجول في هذه المؤسسة التي وصل إليها، وفي كثير من الأحيان يكون هذا الوصول حاملا معه كل ألوان الفشل الإداري، الأمر الذي يتجه بالمؤسسة نحو التفكك والتدمير، وتصبح هذه المؤسسة عبء على اقتصاد البلد، الذي بفعل تكرر حالات الوصول إلى كراسي السلطة بطريقة المحاباة، أصبح يترنح من معاناته تجاوز المديونية حدود المقبول اقتصاديا لبلد بحجم الأردن.

     وعلى الرغم من كثرة التجارب الفاشلة في اختيار مدراء الدوائر، وتسليمهم مسؤوليات إدارة اقتصاد مؤسسات وطنية، إلا انه وفي نفس الوقت، منهم من استطاع أن يحافظ على الأقل في الظروف الصعبة، على تلك المؤسسات التي تسلموا إدارة شؤونها، ومنهم مدير عام الجمارك الأردنية غالب باشا الصرايرة، الذي صاحب فترة إدارته لدائرة الجمارك الأردنية، حالة اقتصادية صعبة، أثرت على دائرة الجمارك الأردنية كما أثرت على الاقتصاد الأردني بشكل عام، فمن الإغلاق المتكرر للحدود الأردنية من قبل الحكومة العراقية، وقطع خطوط التبادل التجاري، إلى تدهور الأوضاع الأمنية، و الإصابة بحالة من شلل الحركة التجارية مع الشقيقة سوريا، بسبب الأحداث الدائرة هناك، بالإضافة لتكرر حالات الإضراب الوظيفي، من قبل عمال ميناء العقبة والشركات المساندة له، الأمر الذي اثر على حركة مرور بضائع الترانزيت، وترتب عليه بشكل مباشر وغير مباشر عملية خفض في إيرادات دائرة الجمارك، والذي بدوره ينعكس على الإيراد العام للدولة، حيث تشكل الرسوم والضرائب المحصلة عن طريق الجمارك ما يقرب من ثلث الإيراد العام الدولة.

     أما فيما يخص الشأن الوظيفي لكوادر دائرة الجمارك، فرغم شمول دائرة الجمارك في منظومة هيكلة الرواتب الحكومية، إلا إن الباشا الكبير بأخلاقه وأمانته، استطاع أن يحافظ على مكتسبات الموظفين المالية، كتقدير منه لأهمية دور موظف الجمرك في حماية الاقتصاد الوطني، كما واستطاع أن ينأى بدائرة الجمارك من الدخول في موجة الإضرابات الوظيفية، بأسلوب على الأقل حمل معه اقل الخسائر على موظفي الدائرة.

     وعلى الرغم من تعرضي لعطوفة المدير العام للنقد في مقال سابق، بخصوص بعض الإجراءات الإدارية فيما يتعلق بعلاقة المدير مع موظفيه، إلا أنها تبقى في إطار الأخطاء التي من الممكن أن يقع بها أي مدير، تحكمها طبيعة العمل، وظروفه، وفي النهاية لا يسعنا إلا شكر عطوفة أبو العبد، على جهوده التي بذلها فترة تسلمه إدارة الجمارك الأردنية، والتي رغم كل إغراءاتها، إلا انه خرج منها بشهادة الجميع، نظيف اليد كريم النفس.

26‏/06‏/2013

الكراسي المتأرجحة




    
     كانت سياسة الدول الاستعمارية في بلادنا المُستعمرة، تقوم على تنصيب الحكام الموالين لها، وحتى بعد عصر الاستقلال الذي شهدته هذه الدول، لم تتغير هذه السياسة، فكل حاكم مدعوم من الدول المتنفذة في هذه الأقطار يؤول الحكم إليه بدون منازع.

     إلا أن الإطاحة بالرئيس التونسي المخلوع، وعقبه الرئيس المصري، والقضاء على القذافي، ولعبة الأمم وإسهامها في تنحية الرئيس اليمني، والشد والجذب الدولي في الإطاحة ببشار الأسد، ولدت لدى الشعوب العربية شعورا متزايدا بالثقة في النفس، يحملها على الاعتقاد بقدرتها على محاسبة الحكام وخلع أي منهم، رغم الدعم الخارجي الذي من الممكن أن يتلقاه، أو رغم قوة القاعدة الداخلية التي يتمركز عليها، والتي تتمثل بالولاء المطلق له من قبل الأجهزة الأمنية، أو من جماعات المصالح التي يرتبط بها.

     والحقيقة التي ندركها، أن الربيع العربي الذي أطاح بالزعامات البوليسية العربية، شكل صدمة سياسية استوجبت على دول العالم العظمى، المتنفذة في البلاد العربية والمخترِقة لأنظمتها تغيير طريقة تدخلها في زراعة الزعماء، فلجأت هذه الدول إلى طريقة استبدال المستهدفين شعبيا من الزعماء العرب قبل أن تطيح بهم شعوبهم، فأصبحت سياساتها تصب في اتجاه تغيير المرضى والعجائز بزعامات شابه، ولكن على أن تكون هذه الزعامات الجديدة أكثر ولاء لأسيادهم الجدد من ولائهم لبلدانهم وشعوبهم.

     وقد يكون هناك توجه آخر للدول العظمى، يهدف إلى استبدال المغضوب عليهم شعبيا من الحكام العرب، اللذين تعيش بلدانهم اضطرابات شعبية، بحجة تهدئة النفوس وعدم جر البلاد في دوامات التفرقة العنصرية، ولا نستبعد اتخاذ تلك الدول العظمى اتجاه سياسي جديد، يصب في تغيير احد الحكام بأحد أشقائه أو أقاربه، بحجة إغلاق ملفات الفساد في بلاده، وقطع الطريق أمام المعارضة التي تتهمه برعاية الفساد، في حين أن المعارضة نفسها غير مرغوب بها من طرف الدول العظمى، والتي يعتبر أي تنامي في شعبيتها مصدر قلق دائم ومربك لكل دول الجوار.

     فالتغيير في قطر يعني أن المشرق العربي سيعيش حالة من التغيير تعتبر ارتداد للربيع العربي، ولكن بهيمنة غربية إسرائيلية، فكثيرة هي الكراسي المتأرجحة في المنطقة، وملحة جدا المطالب الشعبية في تغيير الحكام، والدخول في إجراء إصلاحات حقيقية، تسهم في المحافظة على ما بقي من أشلاء دول مزقها الفساد والخضوع والانقياد، وعلى الجميع أن يدرك أن أزهار الربيع عمرها قصير، وان خير ما يديمها هي دورة الأيام.  


18‏/06‏/2013

إنا بك لمحزونون


 

يقول الشاعر:

(الخَطْبُ جلَّ وأُلجمتْ أبياتي ...... والصمتُ بُحَّ مردداً آهاتي)
(والدمعُ سالَ معزياً أجفانَه ....... وبكى البيانُ مُسطِّراً عَبراتي)
(والهمُ أوْغلَ سيفَه في خاطري ......  والغمُ أذْكى الحزنَ في وجناتي)

 

     لم استطع حتى وفاة والدي أن أدرك ذلك السر الذي يربط كبار السن في منازلهم وأهليهم، فقد كان المرض والحاجة الماسة لتلقي العلاج، سببا قويا جدا لإنزال والدي في مستشفى الملكة رانيا في الطيبة، حيث بقي مدة عشرة أيام في قسم ICU نتيجة وضعه الصحي الحرج، والتي قضاها وهو يقاسي حرارة الشوق للخروج من المستشفى والعودة إلى منزله، مستعدا لتحمل مرارة الألم والمرض على البقاء في المستشفى، رغم الجهود الكبيرة التي بذلها الكادر التمريضي في قسم ICU في المستشفى لإنقاذ حياته، ورغم استعصاء العلاج ودخول والدي في حالة مرضية تنذر بقرب الأجل.

     وقد تكون أصعب الساعات التي عاشها والدي رحمه الله، تلك الساعات من الليل التي كان ينظر فيها من النافذة ينتظر شروق الشمس، عسى أن تحمل معها خبرا مفرحا، يُزف إليه بان له خروج من المستشفى، رغم إدراكه بأن خروجه من المستشفى يعني بالضرورة إصدار شهادة وفاته.

     لم تكن تلك الأيام العشرة بالسهلة عليه، ولم تكن بالأيام التي يُنتظر منها شفاء بالنسبة له، بل كانت في نظره أيام عذاب، ومقاساة الأشواق، والرغبة في العودة إلى المنزل، فلازال يذكر مجلسه بين بنيه وأحفاده، ولازال يحن إلى تلك السيجارة التي كانت سببا في وروده الموت، رغم اليقين بان الموت اجل محتوم، ولازال يوصي خيرا بأهله، حتى احترقت كبده شوقا.

     وبعد مضي عشرة الأيام هذه، والتي كانت صحته فيها في تدهور مستمر، دخل في حالة الإنعاش لمدة أربعة أيام أخرى، والتي وان كانت أيام صعبة على أبنائه وأشقائه ومن حوله، إلا أن خير ما يذكر فيها، ذلك الجهد الكبير الذي بذله الكادر التمريضي في قسم ICU في المستشفى، بالإضافة إلى الأطباء، والذي لا نملك حياله إلا الشكر الجزيل لهم، ونسأل الله عز وجل أن يجزيهم كل خير، لقاء جهودهم وتواضعهم وحسن تعاملهم.

     مضت تلك الأيام الأربعة عشر، وخرج والدي من المستشفى مسجى على حمالة، ملفوفا بثوب ابيض، يحوي بين طياته تلك الأشواق الحارة، وتلك الأماني العزيزة، وتلك الرحمة التي كانت تتوهج في عينيه، غادر المستشفى مغادرا الدنيا، ولكن شاءت قدرة الله عز وجل، أن يكون له مرورا ببيته قبل أن يدخل قبره، فما أعظمها تلك المشاعر التي تربط كبار السن في منازلهم وأهليهم، وما أعظم اليقين بـقول الله سبحانه وتعالى:{ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ }.

27‏/04‏/2013

مجلس سياسات وطني عام


     استطاعت العقلانية أن تطغى في مجلس النواب، وتمنح الثقة لحكومة النسور، مع الاحترام لكل من لم يمنح الحكومة الثقة من السادة النواب، فمستوى وتركيبة حكومة النسور جاءت ادني من المستوى المتوقع لها، وان كان دولة الرئيس قد اخذ وقت طويل في اختيار طاقم وزرائه، ولكن يبدو أن دولة الرئيس لا يفضل الاستفادة من تجارب الآخرين كحكومة الدكتور عدنان بدران مثلا.

     ورغم الحلم الكبير لدولة الرئيس، بان تكون حكومته الحكومة التي يلقى على عاتقها مهمة إرساء مبادئ جديدة للديمقراطية الحديثة، والتشاركية المأمولة، وان هذه الحكومة تعتبر بوابة الدخول للمرحلة المنشودة، في إرساء قواعد تلك الديمقراطية المنتظرة، بالتحاور البناء مع جميع مكونات المجتمع، للوصول إلى طريق واضح المعالم يجمع على سلوكه الجميع، إلا أن كلمات السادة النواب في جلسات مناقشة الثقة، دلت على أن هناك فجوة بينهم وبين دولة الرئيس، ليس من السهل على دولة الرئيس وفريقه الوزاري تخطيها بسهولة، دونا عن تخطي أي حواجز من المؤكد وجودها بين دولة الرئيس والجماعات المعارضة، سواء كانت حزبية، أو جماعات الحراكات الشعبية في مختلف مناطق المملكة.

     ومن المآخذ على السادة النواب وعلى المعارضة، أنهم يعارضون الإجراءات الحكومية في معالجة الخلل الاقتصادي والسياسي، بدون تقديم بديل، أو حلول أكثر جدوى من تلك التي تقدمها الحكومة، وهذا في حد ذاته يؤدي إلى إصرار الحكومة على تبني سياسات ومنهجية تعتمد على معطيات إحصائية رسمية، لكونها المصدر الوحيد للمعلومات، ولعدم وجود أي دراسات بحثية متخصصة من الممكن الاستفادة منها في تخطي مثل هذه العقبة.

     وباعتقادي أن هذا هو السبب الجوهري في الخلاف بين المعارضة بمختلف مكوناتها، سواء حزبية، أو حراكات شعبية، أو مفكرين وأكاديميين، وبين الحكومة، وان أي حلول تقدم بدون أن تكون مدروسة وموافق عليها بالإجماع من ممثلين عن كل منهم، ستكون دائما عرضة للنقد والتحريف، وإخراجها عن مقاصدها الحقيقية، وارى أن الأسلم لتخطي هذه العقبة، ولتخطي عقبة الدخول في حوارات فردية مع كل حزب، أو تيار، أو جهة، أن يتم تشكيل مجلس سياسات وطني عام، يضم في تشكيلته التطوعية عضو من كل حزب، وممثل عن كل محافظة، ومندوب من كل وزارة، ومناديب من الأجهزة الأمنية، ومناديب من أساتذة الجامعات، والمفكرين المتخصصين، ويتم تشكيل فرق عمل لدراسة المواضيع الاقتصادية والسياسية المتخصصة، وتقديم التوصيات للحكومة، وتكون الحكومة ملزمة بالعمل بها، وتكون هذه التوصيات وإجراءات تنفيذها، خاضعة لرقابة مجلس النواب.

     ففي هذه الحالة تقدم الحكومة المعلومة، وتحيط مجلس السياسات العامة علما بها، فيقوم المجلس بصناعة القرار الذي يراعي الظروف العامة للدولة، والخاصة بالمواطن، كما ويساعد وجود هذا المجلس على التخلص من الارتجال في اتخاذ القرارات، بحيث يكون القرار ناتج عن معلومة صحيحة يتم التأكد منها من جهة، ومن جهة أخرى يكون صادر عن متخصصين، الأمر الذي يجعل القرار أكثر إقناعا وشفافية للمواطن، الذي بات يفقد الثقة في الحكومة، وقدرتها على تجاوز العقبات التي تواجهها بدون عثرات تعود عليه بنتائج سلبية، تزيد من الأعباء المترتبة عليه، وتدفعه للمصادمة معها عند اتخاذ أي قرار.

25‏/02‏/2013

بصريح العبارة

 

     قد تكون نتائج المشاورات النيابية بين ممثل جلالة الملك، والكتل البرلمانية، انتهت مرحلتها الأولى، بالتقارب الضمني حول شخصية رئيس الوزراء، الذي يعول عليه لإدارة المرحلة القادمة، وفقا لمنهجية ديمقراطية جديدة، وان كانت تدل المؤشرات على بقاء الدكتور عبدالله النسور رئيسا للوزراء، وذلك بعد تسميته صراحة من قبل بعض الكتل النيابية، والأمر الثاني هو القبول الملكي، لأداء دولة الرئيس في البضع أشهر التي تولى بها منصبه، بالإضافة إلى إمكانيات دولة الرئيس، وقدرته على إدارة المرحلة القادمة، سيما وانه احد أقطاب المجتهدين، لإحداث إصلاحات تشريعية، واقتصادية، وسياسية، على مدى دورات برلمانية متعاقبة، كان يجلس خلالها تحت القبة.

     إلا أن المنتظر من دولة الرئيس في الفترة القادمة، قد يكون الامتحان الحقيقي لقدرات الرئيس، في انجاز إصلاحات حقيقية، يستطيع المواطن الوثوق بها، وهذا لن يكون ما لم يكن هناك برنامج وطني إصلاحي شامل، يتم الاتفاق عليه، وتحديد التوقيتات الزمنية له، والمضي قدما في تنفيذه، فأربع سنوات كفيلة بتحقيق انجازات نوعية وكمية تعود على المواطن بآثار ايجابية، إن كانت هناك نوايا صادقة، وعزيمة جادة للعمل.

     كما ونطالب دولة الرئيس، بالنظر سريعا في المطالب الوظيفية للموظفين، المعتصمين، ودراستها بموضوعية، وصولا لتحقيق امن واستقرار وظيفي للموظفين، كون انعكاسات الإضرابات والاعتصامات الوظيفية، ستكون مؤثرة على الاقتصاد الوطني، وذات نتائج سلبية، على جهود جلب الاستثمارات الأجنبية للبلاد.

كما وان من الأمور المهمة التي نطالب بها دولة الرئيس، عدم التراجع عن الانجازات الوطنية التي تم تحقيقها في الحكومات السابقة، تحت أية ذريعة كانت، فمثلا من غير المعقول التراجع عن أي من إجراءات، وتعليمات نقل وتوفيق أوضاع موظفي الدوائر الذين كانت تطبق عليهم تشريعات موظفين خاصة بهم، وهيكلة الرواتب، وضم المؤسسات الحكومية تحت مظلة ديوان الخدمة المدنية، إلى إقرار أنظمة خاصة لمؤسسات الدولة، تحت ذرائع الخصوصية لهذه المؤسسات، كدائرة الجمارك الأردنية مثلا، والتي يتم الآن العمل على إصدار نظام خاص بها، تحت اسم نظام تنظيم أعمال الضابطة الجمركية، والذي في حال صدوره سيعمل على خلق نوع من البلبلة بين موظفي الجمارك، وان الحاجة لإصدار نظام خاص بالرتب الجمركية، لا يتوجب معه بالضرورة إصدار مواد قانونية تتعلق بالعقوبات، والترفيعات، واحتساب سنوات الخدمة عند الحصول على مؤهلات علمية جديدة أعلى من قبل الموظفين العاملين بدائرة الجمارك، يسعى النظام الخاص الجديد لشقها عن نظام الخدمة المدنية، والذي يعتبر نظام عصري تتبناه الدولة، ويطبق على كل الموظفين المدنيين فيها .

     ومن الأمور الأخرى التي نتمنى أن تكون من أولويات دولة الرئيس، العمل على تغيير الدماء في الإدارات العليا، سيما وأنها من موروث التعيينات بموجب فرمانات المحسوبية والواسطة، ولا تزال تعيش في ظلام وعظامية البيروقراطية إلا فيما ندر.

23‏/02‏/2013

أحلام سلامة



     قد يكون الشعور بالخوف من إفلاس خزينة الدولة، هو السبب الذي دفع سلامة ذلك الفتى الذي كان يدرس بالصف الخامس الابتدائي، في إحدى مدارس البادية الجنوبية، لترك المدرسة، على اعتبار أن الإنفاق الحكومي على قطاع التعليم، يعتبر باب من أبواب الهدر المالي، وذلك لكون  المصاريف التشغيلية في قطاع التعليم تعتبر بيئة خصبة لترعرع الفساد، حسب تقرير الفساد العالمي (GCR) 2012.

     أو لربما كان شعور سلامة بتهاوي الاقتصاد الأردني، لعدم قدرته على الاستمرار بتحمل الدعم المالي للمحروقات، وتلويح دولة رئيس الوزراء بان اقتصادنا في مرحلة حرجة جدا، لن يتعافى منها ما لم نكن على قدر من الشجاعة، واتخاذ المزيد من القرارات الصارمة بحق الطبقة الفقيرة، والمتوسطة، وذلك برفع أسعار الكهرباء المنزلية، وأسعار المياه، على اعتبار أن هاتان الطبقتان تعتبران الأكبر بالمجتمع، وان رفع الأسعار ولو بنسبة قليلة عليهما سيؤدي إلى تحقيق وفر مالي على الخزينة، بعكس ما لو تم رفع الأسعار على المستثمرين من التجار، والصناع،  والقطاعات الخدمية الأخرى، أو الطبقة الغنية من المجتمع، لكون رفع الأسعار على هذه الطبقات الاقتصادية، سيؤدي بالضرورة إلى انخفاض قدرتهم التنافسية في قطاع الأعمال، الأمر الذي يهدد بهجرة الاستثمارات من البلاد، الأمر الذي يخشاه كل منظري الاقتصاد والسياسة بالبلاد، فدفع سلامة شعوره الوطني لترك المدرسة، وحذا به للعمل، ليساعد والده ولو بشيء يسير، حيث يمكنهم بذلك تلبية الاحتياجات المعيشية الأساسية لأسرتهم، التي لم يعد دخل والده يكفي لتلبيتها.

     إلا أني أرجح أن سبب ترك سلامة للمدرسة، وتوجهه للعمل، يعود لأسباب سياسية أكثر منها اقتصادية، فسلامة الابن الأكبر لأبيه، وله شقيق، وست أخوات، وبقراءة مستفيضة من سلامة للواقع، وجد أن الأمور محسومة سلفا، فابن العامل سيبقى عامل، وابن الرئيس سيكون رئيس، وان العبث بالشعب والتمثيل عليهم بلعبة الديمقراطية، وملاطفتهم، ومماشاتهم على قدر عقولهم، لإقناعهم بوهم تحقيق التغيير المنشود، والقفز بالبلاد من حال إلى حال، ليثبت لهم بعد الجهد والاجتهاد، أن خير من يعتلي منصب رئاسة الوزراء باختيار الشعب، هو نفسه من كان مختارا من قبل، ولكن بطريقة التزكية الملكية، فرأى سلامة أن ملازمته لأبية في عمله، سيختصر عليه الوقت، فما دام أن عمله سيكون في الشيدية، بعد تقاعد والده، أو وفاته، فلماذا يذهب للمدرسة كل صباح، ويحمل الحكومة تكاليف تعليمه، ويضيع على اقتصاد البلاد تلك النفقات.

     قد لا يكون سلامة فكر حقيقة بالاقتصاد، أو سمع عنه شيئا، ولم يفكر أيضا بالسياسة أبدا، ولا يهمه إن كان دولة رئيس الوزراء بعد المشاورات النيابية، سيكون عبدالله النسور، أو حمزة منصور، ولكن هو حقيقة أن سلامة ترك المدرسة، وحقيقة انه يحلم بالحلول مكان أبيه، فهو منذ تركه الدراسة مع بداية الفصل الدراسي الحالي، يرافق أبيه إلى مكان عمله، ويرى أن العمل في كسارات منجم الشيدية، سيجني له في يوم من الأيام مئات الدنانير، ولا يدري المسكين أن عاصفة الفساد عندما تمر، فإنها لا تبقي لأحد شيئا.

18‏/02‏/2013

تعال احكي اللي عندك


     تسير المشاورات الرسمية بين الكتل البرلمانية، ورئيس الديوان الملكي، لاختيار رئيس الوزراء بديمقراطيتها الجديدة، والتي جاءت نتيجة الضغط الشعبي، لغايات إجراء تغيير في روتين اختيار صاحب هذا المنصب، والحقيقة التي ندركها أن الأمر حدث به تطور ملموس، بحيث قدمت الانتخابات البرلمانية للمواطنين فرصة أن يعبروا برأيهم، ويوصلوا أصواتهم، بدون اللجوء إلى الاعتصام أمام القصور الملكية، وفي الشوارع، وحمل اللافتات، أو التأثير على حركة المرور، أو حتى تكبيد الأجهزة الأمنية عناء المحافظة على امن المواطنين والممتلكات العامة، خلال الوقفات الاحتجاجية هذه، فاستبدلت هذه الطريقة التقليدية والشعبية، بطريقة أكثر ديمقراطية، بحيث يتم جلب نواب الشعب بواسطة الحافلات على شكل مجموعات صغيرة، أو بشكل فردي، إلى داخل المكاتب والغرف والقاعات المكيفة في القصر الملكي، لتتم أجواء التحاور بشكل هادئ، بين مهندس الانتخابات البرلمانية رئيس الديوان الملكي وفريقه، وبين هؤلاء الممثلين لشرائح المجتمع، وصولا لاختيار رجل المرحلة القادمة، الذي سيصل إلى كرسي الرئاسة هذه المرة مدفوعا بتزكية شعبية، قد تخفف عليه بعض الضغوط التي ستواجهه عند مباشرة أعماله.

      فدولة رئيس الديوان الملكي، يجد انه من المناسب جدا والأسلم، هو أن يجلب السادة النواب للقصر لغايات المشاورة، بدلا من توجهه هو إلى بيت الشعب، والتشاور معهم، قاصدا من ذلك توفير أجواء صحية للحوار معهم، على اعتبار أن من سيحضر من ممثلي الكتل، سيجدون أنفسهم ضيوف كرام عند دولة السيد رئيس الديوان الملكي، وبذلك يكون للمجاملة حضور واضح في اللقاء الودي الذي يجمعهم، وسيجعل من دولة رئيس الديوان الملكي متمكن من لملمة أفكاره، بعكس الحال للضيوف الذين بتغير المكان عليهم ستتشتت أفكارهم، وسيجدون أنفسهم أمام سيل من الأفكار المنتظمة، والاقتراحات الصائبة، تفصل لكل ضيف منهم على حدا، ولا يملكون أمامها إلا التوافق والمباركة، فهذه كتلة وطن، وكتلة التجمع الديمقراطي، خرجتا من أول اجتماع بالاكتفاء بوضع لمساتهما على القالب الذي سيصنع به دولة رئيس الوزراء الجديد، أما اسم دولته، فهو متروك لمرحلة لاحقة.

      نتمنى أن يكون الرئيس القادم، الذي يتم التحضير لاستلامه مقاليد رئاسة الوزراء، في زمن الديمقراطية الجديدة وفي ظل الربيع الثالث، أن لا يكون من نادي رؤساء الوزارات السابقين، أو أن يكون من كبار التجار، أو من علماء الذرة، أو من جماعة أبو نسب، وأخاف ما أخاف أن يأتي من رحم المعارضة، بعد أن انشق عنهم.

     كما ونتمنى أن تكون واجبات عمل دولة الرئيس الجديد، ذات بعد إصلاحي على كل المستويات، فالتجارب السابقة مع أعضاء نادي أصحاب لقب الدولة، كلها كانت مخيبة للآمال، وتسببت لوصول البلاد إلى ما وصلت إليه من تفشي للفساد والمحسوبية.

10‏/02‏/2013

هذا الموجود


     افتتح جلالة الملك الدورة غير العادية لمجلس النواب، واختار السادة النواب رئيس مجلسهم، وانتهت مرحلة التكهنات، وثبت لنا أن تجربة الكتل النيابية هشة، ولم تستطيع الصمود أمام أول اختبار لها، وأثبتت القوة التقليدية نجاعتها في مثل هذه الظروف.

     الآن وبعد انتهاء هذه المرحلة، والتي ترى الحكومة أنها جاءت بعد مخاض طويل، وبعد بذل جهود مضنية لإنجاح الانتخابات، والدفاع عن نزاهتها، ونجاحها بإقصاء أكثر خصومها، مع كسب الموقف الإعلامي لصالحها، والظهور بمظهر من استمات لإقناع أحزاب المعارضة للمشاركة في العملية الانتخابية، مع وعودها لهم بأيام قادمة، تحمل الأمل مع التفاؤل، والنوايا الصادقة على الاجتهاد بالسير في طريق إصلاحي، قادر على إخراج البلاد من أزمة انعدام الثقة، بينها وبين أحزاب المعارضة، والحراكات الشعبية.

     وفي الطرف الآخر، مطلوب من أحزاب المعارضة والحراكات الشعبية التسليم للأمر الواقع، والقبول بنتائج هذه الانتخابات، كونها تعبر عن رأي من شارك بها، وأصبحت واقع لا يمكن تجاهله، أو القفز فوقه، ومن غير المعقول الحكم على المجلس السابع عشر بالفشل، أو عدم القدرة على تحمل مسؤولياته، بل ترى الحكومة أن استمرار المجلس حتى إكمال مدته القانونية، مؤشر مصداقية، من المؤشرات التي تبرهن بها على صدق نواياها الإصلاحية، كما وتتأمل من هذا المجلس أن يكون قادر على تشريع القوانين، بحرية وحيادية، وكامل الاستقلالية، وهي المطالب الجوهرية، التي كانت تطالب بها أحزاب المعارضة بعينها.

     وإذا كانت هذه البيئة الملائمة سياسيا، تكفلت الحكومة بتوفيرها - ولو إعلاميا على الأقل - فإنها بالمقابل تطالب السادة النواب ببناء مكونات سياسية قوية، سواء كانت على شكل أحزاب أو كتل، لتكون قادرة على مواكبة التطورات السياسية التي تعيشها البلاد، ولتتمكن من الوصول لمرحلة تشكيل الحكومة البرلمانية، صاحبة الولاية العامة، والتي تعتبر أيضا من المطالب الجوهرية لأحزاب المعارضة.

     فإذا كانت الحكومة ترى بعين فرض الأمر الواقع، فهل ستقبل أحزاب المعارضة، أن تعطي للسادة النواب فرصة مناسبة لإثبات وجودهم، واثبات قدرتهم على تقديم شيء، لدفع العملية الإصلاحية الشاملة التي يتطلع إليها كل الأردنيين، مع الأخذ بعين الاعتبار، أن القرارات والمواقف المنتظرة من السادة النواب، تحدها محددات مفروضة عليهم، تتكشف لهم عند اتخاذ القرارات، ولا يستطيعون عندها المواربة عنها، وان هذه المواقف كان من الممكن أيضا أن يتعرض له من كان في صف المعارضة، لو وضع في نفس الظروف التي هم بها.

     فالدعوة الآن إلى استثمار ما يمكن استثماره ممن هو موجود تحت القبة، من السادة والسيدات النواب، والدفع نحو توجيه قراراتهم ومواقفهم لما فيه المصلحة العامة للمواطنين، والوقوف إلى جانبهم في التصدي للتغول الحكومي على قراراتهم ومواقفهم، فإذا كان دعم المواطن موجه لدعمهم والشد على أيديهم، فهذا سيكسبهم القوة على الصمود في وجه المعيقات، ويعطيهم أيضا فرصة اكبر للانجاز.

16‏/01‏/2013

النقاط على الحروف


     وضعت الورقة النقاشية الثانية التي أطلقها جلالة الملك، النقاط على الحروف، وان كان صفوة ما جاء فيها قول الملك: (إن رئيس الوزراء القادم، والذي ليس من الضروري أن يكون عضواً في مجلس النواب، سيتم تكليفه بالتشاور مع ائتلاف الأغلبية من الكتل النيابية.

     وإذا لم يبرز ائتلاف أغلبية واضح من الكتل النيابية، فإن عملية التكليف ستتم بالتشاور مع جميع الكتل النيابية، وبدوره سيقوم رئيس الوزراء المكلّف بالتشاور مع الكتل النيابية لتشكيل الحكومة البرلمانية الجديدة والاتفاق على برنامجها، والتي ينبغي عليها الحصول على ثقة مجلس النواب، والاستمرار بالمحافظة عليها).

     نعم فاختيار رئيس وزراء على قدر كبير من الكفاءة ودرجة عالية من النزاهة، وسمعة طيبة بين أوساط الشعب الأردني، سيؤدي إلى تحقيق تقدم كبير في المسيرة الإصلاحية التي ننشدها ونتطلع إليها، ويتطلع إليها كل أحرار الوطن، وهذا الأمر الذي طالما كان منتظرا، والتي نرجو أن تكون لحظة التغيير حيالها قد اقتربت.

     فإذا تمكن الشعب الأردني من اختيار مجلس نيابي على قدر من المسؤولية، واستطاع الملك أن يكلف رئيس وزراء كفؤ، واستطاع الرئيس أن يشكل حكومة قادرة على الشعور بمشاعر المواطنين، وقادرة على تلمس احتياجاتهم، وجادة في انتهاج طريق الإصلاح، وتبني خطوات عملية لتحقيق انجازات حقيقية وواقعية، تنعكس على أداء الحكومة بمختلف مؤسساتها، وعلى فئات الشعب بمختلف طبقاته الاجتماعية، فعندها سنكون فعلا قد سلكنا الطريق الصحيح نحو الإصلاح، وان كان الركب يسير بثلة من الأهل، ولكن إذا ثبت للناظرين حسن النوايا، فعندها سيلحق بالركب من تخلف عنه.

     أما إن بقيت الأمور على ما كانت عليه، ولم يزد الإصلاح أو مسعى الإصلاح، عن كلام يخرج من فوق الحناجر، فان النتائج لن تكون سارة لأحد، لأنه عند هذه اللحظة الفارقة من الزمن، ستُفقد المصداقية أو ما بقي منها، وعندها أيضا ستكون الخطب العصماء، وإشارات التهديد سيان لكل من يسمع ويرى.

15‏/01‏/2013

اعتبارات نجاح انتخابات 2013


     تتفاوت وجهات نظر المواطنين حيال الانتخابات النيابية، بين مقاطع بشكل مطلق، وبين مشارك ترشحا وانتخابا، في هذه التجربة التي تتسم باعتماد القوائم الانتخابية. 

     إلا أن إجراء الانتخابات في ظل مقاطعة كثير من الأحزاب والجماعات السياسية والشعبية، التي تعتبر محور التأثير في الحراك الأردني، الذي يشارف عمرة على العامين، والذي كان سببا غير مباشر في حل مجلس النواب السابق، والذي يعتبر أيضا عنصر ضغط كبير على القرار السيادي في البلاد، سيؤدي حتما إلى عدم قبول نتائج هذه الانتخابات، وهذا الرفض نابع من إصرار الحكومة على تجاهل المطالب التي نادت بها هذه الأحزاب والجماعات الشعبية، والتي أدت في النهاية إلى مقاطعتها للانتخابات.

     إلا أن هنالك بعض الاعتبارات التي قد يؤدي توفرها في مجلس النواب المنتخب، إلى توفير مستوى من الرضا الشعبي، يساعد على تخطي مرحلة اللا قبول عن النتائج، وتسهم أيضا بالوصول إلى مرحلة انتقالية، يمكن من خلالها تحقيق إصلاحات تشريعية، تسهم بتجاوز مرحلة الجمود بين المؤسسات الحكومية من جهة، وبين الفعاليات الشعبية بمختلف أطيافها من جهة أخرى، والتي يمكن استعراضها كالآتي:

     أولا: أن لا يتجاوز عدد النواب العائدين للمجلس الجديد من المجلس المنحل أكثر من 20% من عدد النواب ومن القوائم الانتخابية الكلي، والسبب في ذلك أن النواب السابقون رغم قدرتهم الكبيرة على تقديم خدمات للناخبين، إلا أن الأداء الفعلي من الناحية التشريعية، والتي تعتبر المهمة الرئيسية لهم، كان أداء يتسم في غالب الأحيان إلى الميل للمقترح الحكومي، والاستجابة لضغط المؤسسة الحكومية بشكل كبير، الأمر الذي يعكس تصور ضعف أدائهم التشريعي.

     ثانيا: أن لا يكون ميل النواب المستقلين، الذين سيصلون إلى مجلس النواب محسومة سلفا، لصالح حزب، أو جماعة، أو قائمة انتخابية محدده، الأمر الذي يعني تقييد حرية القرار والموقف لصالح جهة محدده، فتكسبها قوة خفية، مما يؤدي إلى هيمنتها على قرارات المجلس، لان ذلك سيؤدي حتما إلى إفراز مجلس نواب يحكم قراراته وتوجهاته مزاجية وقناعات شخص محدد، لان الفترة الراهنة تؤكد غياب المؤسسية عن عمل الأحزاب، أو حتى القوائم الانتخابية.

     ثالثا: أن يكون مستوى التمثيل في مجلس النواب لكل شرائح المجتمع، وبطبقاته المتنوعة، وان لا ينحصر في الطبقة الغنية من المجتمع، وفئة التجار، ويعود السبب في ذلك إلى أن الطبقة الغنية والتجار، ابعد ما يكونوا عن إدراك الشعور بهموم المواطنين، الذين تعد طبقتهم الفقيرة الطبقة الطاغية في المجتمع.

     رابعا: أن تحرص القيادات السياسية التي ستستقر تحت قبة المجلس، على أن لا تفرض نفسها على المجتمع، لكون كثير من هذه القيادات التي تخوض سباق الانتخابات، تعتبر أسماء غير مرغوبة في المراكز القيادية شعبيا، وعلى مستوى المملكة، وان كانت لديهم القدرة الشخصية على المنافسة، والوصول إلى كرسي السلطة، بفضل عوامل متعددة يملكون أدوات توجيهها، لان تمسك هذه القيادات بالسلطة سيؤدي إلى ردة فعل لا تحمد عقباها.

     من هنا نجد أن الوصول إلى نقطة التقاء بين من قاطع الانتخابات، لعدم يقينه بجدية المساعي الرسمية، الرامية إلى الوصول إلى بيئة سياسية قادرة على إفراز مجلس نيابي قوي، قادر على تحمل أعباء المسئولية التشريعية والإصلاحية، وبين من شارك في العملية الانتخابية معتقدا بان الفرصة المتاحة، والظروف الحالية، كفيلة بالوصول إلى نتائج ايجابية تسهم في دفع النهج الإصلاحي العام الذي تتبناه المؤسسة الرسمية، ممكنه في حال تم إفراز مجلس نيابي يتمتع أعضاءه بالنزاهة والكفاءة، أما في حال تم استنساخ مجلس نيابي عن المجالس النيابية السابقة، فالنتيجة لن تقدم أي مكاسب للمؤسسة الرسمية، بل ستكون زاد الثورة على التقليدية الديمقراطية، وهذا ما لا يتمناه احد.

08‏/01‏/2013

انتخابات نزيهة


     أطاحت الإرادة الشعبية بحكومة سمير الرفاعي، الذي حضي بالثقة المعيارية المشهورة لمجلس النواب، الذي فُصل في عهده، واخذ اسم مجلس الـ 111، وخلال أربعين يوم من هذه الثقة الكبيرة، رحل دولة الرئيس، ابن دولة الرئيس، حفيد دولة الرئيس.

     وبرحيل حكومة سمير الرفاعي، حلت علينا حكومة دولة معروف البخيت، الرجل المشهور وصاحب الخبرة في إدارة العمليات الانتخابية، ففي عهد حكومته السابقة، ذاع صيت مجلس النواب الذي زورت نتائجه جهارا نهارا، وظهرت على العلن وباعترافات على أعلى المستويات، ولم يحالف الحظ دولة الرئيس في فترة حكمه الجديدة، فالغضب الشعبي لم يجعله يقوى على الصمود، فرحل مسرعا.

     ثم جاءت حكومة دولة عون الخصاونه، وان كانت حكومة ثار حولها الجدل، وجرى في ظلها سكون طفيف، إلا أنها أيضا رحلت بغضب ملكي هذه المرة لا غضب شعبي، وكان من الأسباب المعلنة لاقتلاعها قانون الانتخاب، وتحديد موعد محدد لإجراء الانتخابات النيابية، التي تسعى القيادة لإجرائها في أسرع وقت ممكن، على اعتبار أنها ستكون الحل السحري الذي سيخرج البلاد من دوامة المطالب الشعبية، في إجراء إصلاحات سياسية، واقتصادية، واجتماعية، ومحاربة الفساد، ولما كان قانون الانتخاب علة الخلاف بين القائد والزعيم، استوجب عزل الرئيس الذي بادر وأعلن استقالته وهو خارج البلاد.

     وسرعان ما أتتنا حكومة دولة فايز الطراونه، والذي بقدومه أحيا الصوت الواحد من الموت بقدرة قادر، ثم انجاز قانون انتخاب بكل مراحله الدستورية، ثم التنسيب بحل مجلس النواب، الذي كاد أن يودي به عشية إعلانه رفع الدعم الحكومي عن المشتقات النفطية، ثم ليرحل عن كرسي الرئاسة استنادا لأحكام الدستور.

     فجادت علينا الأقدار، بأن يلي أمرنا من كنا نعده من الأخيار، فجاءت حكومة دولة عبدالله النسور، فوجدنا الرجل الذي طالما كان معارضا، يكتشف انه كان للأمر جاهلا، وان اقتصاد بلادنا انهار أو كاد، فعجل بالبدء من حيث وقف سلفه، وكاد أن يدخل البلاد في حالة انفلات، معتقدا أن ما كان يجب أن يكون، لا مجال إلا أن يكون، فمن الشعب من اعذر له صنيعه، ومنهم من أنكر عليه جراءته، ولما كان أصل قدومه للحكومة إجراء الانتخابات النيابية، فقد تيسر له أن تُعد العدة لان تكون على عهده، ويؤكد الرجل على أن هذه الانتخابات ستكون حرة ونزيهة، ونقول له صدقت، فكل من في الساحة لا يشكل نقلا أو تجديدا عن العهد السابق، فمن كان منه الخوف قد سبقك يا دولة الرئيس بإعلانه مقاطعة الانتخابات، فلماذا سيكون التزوير إذاً.

     ولكن يا دولة الرئيس أسالك مستنكرا، هل سيقبل الشعب الذي سيملأ الصناديق يوم الاقتراع أوراقا، بان يكون الرئيس في يوما ما، ممن رُفعت أسماؤهم على يافطات المتظاهرين، وطالبوا الحكومة بوقف سيل فسادهم وفساد ذريتهم.