10‏/10‏/2020

تطور الأركان التنظيمية للحركة المهدية خلال سيطرتها على السودان (1881- 1889م)


     شكلت الحركة المهدية في السودان حالة فريدة من حالات التجنيد العقائدي للأفراد، في مواجهة السياسات التي فرضتها الحكومة المصرية على المواطنين السودانيين، عندما شرعت في تنفيذ المشاريع الإصلاحية التي ألزمتها بريطانيا بتنفيذها، لتخطي الصعوبات المالية التي تعاني منها.

     وانعكس الضغط البريطاني على الحكومة المصرية، على الأحوال المعيشية للمواطنين السودانيين، الخاضعين للحكم المصري، فقد فُرضت عليهم الضرائب واستخدمت في حقهم مختلف الأساليب لتحصيلها، وتأثرت مختلف طبقات الشعب السوداني من الإجراءات، التي اتخذتها الحكومة لتحقيق أهدافها، وبدت على الشعب السوداني علامات النقمة على الحكومة المصرية التي تدير البلاد، من خلال الاستعانة بعناصر أجنبية، شغلوا المناصب العليا في الحكومة.

     وفي ظل هذه الظروف، قدم محمد أحمد عبدالله نفسه على أنه المهدي المنتظر، الذي بُعث ليخلص الناس من الظلم والتعسف الذي لحق بهم، متسلحاً بسلاحين شكلا على الدوام اخطر ما يمكن أن تواجه به أمة، أو يُحكم به شعب وهما: سلاح جهل العامة وقلة ثقافتهم، والمتمثل ببساطة المجتمع السوداني، وتصديقه بالخرافات والأساطير التي أوجدتها الطرق الصوفية التي يدير كل منها شيخ طريقة، ويطوعوا الدين على هواهم. والسلاح الثاني هو الحكم الديني المتعصب، فمن خلاله يمتلك الحاكم سلطة مطلقة، توجب على أتباعه تنفيذ أوامره بدون تردد، وكلما ادعى هذا الحاكم قوة صلته مع الله كلما كان انجذاب الأتباع حوله أكثر، علاوةً على ما كان يأمل الأفراد من تحقيقه من المكاسب المادية ممثلة بالغنائم والمكاسب المالية والمادية التي يطمحوا بالحصول عليها بعد انخراطهم في هذه الحركة.

     وتمكن المهدي من خلال هذه الدعوة أن يؤلف لنفسه جيشاً وأنصاراً، تمكن من خلالهم أن يفرض إرادته، ويحل مشكلة السيطرة الأجنبية على السودان والمعاناة التي يعانيها أهله، بخلق مشكلة أكبر تمثلت بتوريث خليفته دولة دينية، وطموحات توسعية عانى الشعب السوداني كثيراً من ويلاتها. لذا اعُتبرت الحركة المهدية في نظر البعض أنها حركة دينية سلفية، وبعض آخر اعتبرها حكماً مستبداً استظل تحت الشعارات الدينية، ومنهم من اعتبرها حركة وطنية، فرضت وجودها الظروف الصعبة التي يعاني منها الشعب السوداني، فاتخذت الحركة من الرابطة الدينية للشعب السوداني أداة مهمة لقيامها.

      ومن هنا جاءت هذه الدراسة للبحث في مقومات وجود الحركة، وكيف تكونت أركانها الأساسية، حتى اصطبغت بالصفة الدينية التي عرفت بها. ومحاولة للكشف عن مدى توافقها مع الميول والمشاعر الدينية لدى السودانيين، والأسباب التي دفعتهم لبذل أقصى مجهود لإنجاح هذه الحركة.

النص الكامل للورقة البحثية