
فالدبلوماسية الأردنية في أعلى مستوياتها
تسعى إلى البقاء على خط محايد مع جميع الأطراف والحفاظ على توازن سياسي يحفظ
مصالحها الوطنية، إلا أن الأقطاب الدولية والسياسات المؤثرة بالمنطقة تستغل
الصعوبات التي يعاني منها الاقتصاد الأردني، كي تحد من الخيارات السياسية لصاحب
القرار السياسي الأردني، وتحاول التأثير عليه وكسر حياديته واستمالته إلى جانبها،
الأمر الذي أوقع الدولة الأردنية على الدوام في أزمات ومواقف سياسية صعبة نتيجةً
لهذه المواقف، وبدون مراعاة لهذه الظروف القاهرة التي تمر بها الدولة الأردنية، أو
لميول شخصية لدى كل منا، ينقسم الشارع الأردني بين مؤيد لطرف من أطراف الأزمة على
حساب الطرف الآخر، والذي يتعصب له أحدنا سلباً أو إيجاباً، حسب المواقف السياسية
التي تتخذها الدولة، ويحاول أن يتمثلها كموقف شخصي له من الأحداث والظروف المحيطة،
فيكتشف من خلالها أن له قضية يتبنى مبادئها ويدافع عنها، أو أعداء يقف في وجه
مطامعهم ومطامحهم، أو أصدقاء يناصر مواقفهم ودعوتهم.
مع أن جميع هذه الأطراف تعمل في سبيل خدمة
قضاياها ومصالحها الخاصة، ومن هنا فإنه - عدا حدود ضيقة - لم تتضمن المشاريع
العربية والدولية التي تحاول تقليص الخيار السياسي الأردني أن تقدم للاقتصاد
الأردني بديلاً عن الاقتراض، من خلال زيادة سقف المساعدات والمنح التي تقدمها بحيث
تتوافق والحاجة الاقتصادية الأردنية، أو الإسهام في تخفيف عبء الدين الأردني، أو
من خلال إيجاد فرص الاستثمار في السوق الأردني، أو فتح أسواقها للمنتجات والعمالة
الأردنية.
وللإنصاف فلننظر للأمر من باب المصلحة
الوطنية، ونسأل أنفسنا ما هي المصلحة الأردنية من تراجع صادراتها من الأغنام
والخضروات والفواكه إلى بعض دول الخليج العربي، والتي تعتبر سوق رئيسي لهذه
المنتجات في موسم زراعي يُعلق عليه المزارعون آمالهم، ولا خيارات أخرى أمامهم
لتصريف منتجاتهم بعيداً عن هذه الأسواق، فالأضرار التي ستلحق في هذا القطاع ستنعكس
على الاقتصاد الأردني بشكل ملحوظ، ولم تراع الدبلوماسية الخليجية التي أثرت على
القرار السياسي الأردني هذه المصلحة من خلال إيجاد أسواق بديلة لتجنيب الاقتصاد
الأردني هذه المحنة.
ولو نظرنا للأشقاء في سوريا فالظروف أملت
على الدولة الأردنية استقبال الأشقاء السوريين، وحُمل الاقتصاد الأردني تبعات هذا
اللجوء، ولم يُقدم للدولة الأردنية بالمقابل الدعم الاقتصادي الذي يتناسب مع قدرته
على تحمل هذا العبء.
ودخول الدولة الأردنية في التحالفات العسكرية
العربية والدولية، سواءً كان ذلك في اليمن أو في مواجهة داعش، اعتبر إسهاماً
دولياً منها فرضته الظروف الإقليمية والأوضاع السياسية، وتحملت نتيجته مزيداً من
المعاناة الاقتصادية.
وفي
النهاية ومهما يكن الموقف السياسي الأردني متوافقاً مع السياسات العربية والدولية
المتنفذة بالمنطقة، فإن المواطن وصاحب القرار في الدولة الأردنية يُتركان بمواجهة
المشكلة الاقتصادية التي تكاد تطوق القرار السياسي فيها من كل جهاته، حتى يُضطر
إلى فرض مزيداً من الضرائب على السلع والخدمات، لكي يُحسن البلد من وضعه
الائتماني، ويتمكن من الاقتراض من البنك الدولي، لتسيير عجلة الاقتصاد في الدولة،
في خطوة تعد اعتماداً على النفس، بعيداً عن كل الوعود والتطمينات التي حضت بها
الدولة لقاء كسب موقفها في صف أطراف الأزمات الدولية، الأمر الذي ينعكس سلباً على
مستوى معيشة المواطن الأردني المرهق اقتصادياً.