30‏/05‏/2016

الرأس والجسد

     لم تحفل أي حكومة من الحكومات الأردنية السابقة بالحفاوة التي حفلت بها حكومة النسور من جلالة الملك وهم في قصر الحسينية بعد قبول استقالتها، وأشاد الملك بإمكانيات النسور ودوره في مواجهة الأحداث والصعاب التي عاصرتها المملكة فترة توليه منصب رئاسة الوزراء، وبدا ذلك واضحاً أيضاً في رسالة الملك بقبول استقالة الحكومة حيث أثنى عليه قائلاً " فمنذ أن عهدنا إليك بمسؤولية تشكيل الحكومة قبل ما يزيد على ثلاث سنوات ونصف، وفي مرحلة تاريخية غير مسبوقة من التحديات والصعوبات والغموض الذي اكتنف بما يسمى "بالربيع العربيِ"، وأنا أراقب عن كثب وبعين الرضا والتقدير، أداءكم وأداء زملائكم الوزراء الذين شاركوك تحمل المسؤولية طيلة السنوات الماضية. فكان تصديكم للتحديات والظروف التي تمر بها المنطقة، والتي تركت آثارها على الوطن، تحكمه العقلانية والواقعية، وكانت مثابرتكم على العمل والمتابعة لا تعرف الملل والكلل، بما يرضي الله عز وجل، ويحمي الوطن الأغلى والمواطن الأعز من هول الأحداث وقسوة الواقع، كلها ضمن توجيهاتنا التي حملتها، يوما بعد يوم، بكل شجاعة واقتدار"
     وحتى نص استقالة حكومة النسور جاءت فياضة بمشاعر الامتنان والتأكيد على دورها في صناعة مستقبل البلاد حيث يقول فيها النسور "فإذا قيض الله للمنطقة السلام، فإني واثق أن البنية التشريعية والاقتصادية والخدمية جاهزة لانطلاقة كبيرة نحو ما تحلم به يا صاحب الجلالة من إنجازات" .

     وفي مقابل هذه المشاعر الجياشة، انطلقت التغريدات والخواطر والتعليقات والتندرات على مواقع التواصل الاجتماعي تعكس فرحة الشارع الأردني بالخلاص من حكومة النسور، والتي وصفت بأنها حكومة الرفع، والحكومة الأكثر استهدافاً لجيوب المواطنين، وفي عهدها أيضاً زادت مديونية الدولة عما كانت عليه، فلم يلمس المواطن من خير وفضل حكومة النسور ما لمسته السلطة في الدولة التي تحتفل بمئوية نهضتها وبعيد استقلالها.

08‏/05‏/2016

العودة إلى تحت القبة

       بعد إقرار مجلس النواب للتعديلات التي طالت بعض القوانين التي تأثرت بالتعديلات الدستورية الأخيرة، لم يبقى أي حاجة تشريعية ملحة لبقاء مجلس النواب. وبذلك فان احتمال التمديد لمجلس النواب لدورة قادمة لم تعد تشكل ضرورة، وبذا فإن المجلس أطلق آخر رصاصة في سلاحه.
     فهذا المجلس لم يزد على ما سبقه من المجالس النيابية السابقة إلا بأنه كان اقرب للوفاق الحكومي التام، وكان مجلس شرعنه للقوانين الحكومية، ولم يكن مجلساً تشريعياً بالمعنى السياسي المأمول منه.
      واستطاع هذا المجلس أن يسهم في تمثيل الشعب تمثيلاً سلبياً، حيث اقر تعديلات دستورية فُرضت عليه كما فُرضت على الحكومة، مؤداها التراجع الصريح عن انجازات كبيرة حسبت للمجلس النيابي السابق، والتي رافقت أكبر احتجاجات شهدتها الساحة السياسية الأردنية في العقدين الأخيرين.
     إذاً لم يعد هناك متسع سياسي لمجلس النواب الحالي، الذي أدى الدور المطلوب منه بكل آذان صاغية لما يقال له، وسلوكيات قويمة لتنفيذ ما يطلب منه، وخرج من المعترك السياسي بانتهاء مدته القانونية، وفقاً لنصوص الدستور الذي تمكن من حمايته طيلة فترة انعقاده – واعجباه ــ، بل وأسهم في تقديم الدستور قرباناً عندما اقتضت الحاجة لذلك.

    فأصحاب السعادة الآن تتمثل مشاريعهم ومساعيهم المستقبلية في العودة الى قرع أبواب قواعدهم الانتخابية من جديد، في رحلة العودة إلى ( تحت القبة) لتصدع حناجرهم من جديد في إيصال صوت المواطن والحفاظ على مصالحه ومكتسباته، وتشريع ما يحتاج له من قوانين تحافظ على ما بقي له من حقوق وحرية لم تطل يد السلطة السيطرة التامة عليها، والتي بقيت حصراً في خيارات نوع الطعام والشراب ولون اللباس، على أمل ان يعودوا وقد وجدوا مشاريع قوانين بانتظارهم تسمح لنا بحماية حدودنا من مخاطر ما وراء الحدود، ومحاربة من يحارب أصدقائنا وممولين خزانتنا، ونسل سيوف أغمدت وقت حاجتها، ونهتف باسمك يا وطني إلى العلياء في زمنٍ تولى به الملاك كل ناصية، وتخلف الأحرار للمقعد الثاني.

03‏/05‏/2016

التحول إلى الديمقراطية


     إن الخطة التي يتبناها النظام السياسي الأردني في تأسيس قاعدة ديمقراطية، ومحاولته تعميق مشاعر المواطنة الصالحة بين أفراد المجتمع، هي خطة موضوعة للاستهلاك الإعلامي فقط، ولا تحمل نوايا صادقة وحقيقية، لأن الواقع الفعلي المنتهج من قبل الحكومة يسير في اتجاه معاكس تماماً، فكل ما يتم في الواقع هو تكريس سلطة الحاكم، وتعزيز جبهة المواجهة المحتملة مع الرأي العام الشعبي، والتضييق على الأحزاب والجماعات السياسية الفاعلة في المجتمع، وحصارها وتدميرها بمنهجيات وأساليب تختلف عن تلك الأساليب المتبعة في الدول التي انتهجت خط المواجهة المباشرة مع القوى السياسية والشعبية التي ناكفتها.
     فهذا ما يمكن قراءته من التعديلات الدستورية التي أقرت مؤخراً أو تلك التي سبقتها، والتي جرت على المسئولية الدستورية لرئيس الوزراء الدكتور عبد الله النسور وحكومته، فهذه الحكومة التي ورثت تعديلات دستورية عن فترة اتسمت بأنها فترة إصلاحية وان تلك التعديلات كانت مواكبة للرؤية الإصلاحية التي تنتهجها السلطة، وأنها كانت نابعة من إيمان حقيقي بضرورة المضي قدما في تعزيز الخيار الديمقراطي واعتبار أنه الحل للمشاكل السياسية التي تعرقل مسيرة الإصلاح في البلاد، فإذا كانت فعلاً النوايا صادقه فلماذا هذا الانقلاب على المسيرة الإصلاحية التي تسير بتعثر، وتحمل كل صفات الرعاية والولاية الأبوية.

     فهل حقيقة ان الحكومة الأردنية تسعى من خلال التعديلات الدستورية التي مررتها إلى إيجاد أجواء محفزة ومشجعة لتبني الخيار الديمقراطي كما تدعي، أم أنها تمهد لفرض خياراتها وسياساتها التي تريد انتهاجها، والتي تتوافق مع رؤيتها المستقبلية للأحداث التي تعيشها المنطقة، والتي من الممكن أن تكون متعارضة مع القبول الشعبي ومختلف الفعاليات والكيانات السياسية في الدولة. فاحتاطت السلطة بذلك لنفسها من خلال هذه التعديلات بملكية العصا والجزرة، لتفرض سياساتها، وتقمع معارضيها.