19‏/10‏/2014

المقاعد المدرسية


     لم تكن الحكومات الأردنية على مر تاريخها بالقوة التي كانت عليها زمن حكومة عبدالله النسور، وهذا من باب التجني على الحكومات السابقة، وعلى النسور في نفس الوقت، فالرجل الحكيم أشيب الرأس، هادئ الطباع، لين الحديث، يستطيع بهمساته الهادئة إخراج الأردن من الانهيار المالي على حساب فقراء البلاد، بدون أن يسقط به كرسي الوزارة، متكلاً على الله وعلى الهمة الشخصية والكاريزمية الخاصة التي يتمتع بها، ففريقه الاقتصادي لم تتسع له حافلة الوزارة عند تشكيلها، فتركه دولته وشق غمار الساحة الاقتصادية بدونه، واتخذ من القرارات الاقتصادية انفعها لديمومة الجلوس على الكرسي الدوار على الدوار الرابع، فالمكاسب تعظم بزيادة المخاطرة، وتسلح دولته بوزير خارجية لا يتلقى التعليمات منه، وبوزير داخلية أفكاره ومعتقداته عسكرية، وتسيطر نزعة القيادة على قراراته ولا يرى نفسه مرؤوس، ورغم الملاحظات على عدم الانسجام بين هذه الكراسي الثلاثة، إلا أن دولته لا يستشعر بأي خطر من أي فرد من أفراد فريقه الوزاري، ولا يشكل أي منهم مصدر تهديد على كرسيه في الوقت الراهن.

     كما ويعمل دولة الرئيس في أجواء سياسية يسيطر عليها الحذر والترقب، فالاضطرابات الخارجية التي تعاني منها دول الجوار، أشغلت الأردنيين وصرفت انتباههم عن الحكومة، وسياساتها، ومصير البلاد، وانكفئوا إلى التركيز على توفير متطلبات المعاش، وتحمل قرارات الحكومة كيفما كانت، ومجلس نواب ليس أكثر من ماكياج لسلطة مستبدة، ومستشار لا يشار، همه الصراع على كرسي الرئاسة، واعتلاء كراسي رئاسة اللجان في المجلس النيابي.

     وإذا كان دولة النسور يسحر النواب في بيانه، فقد ولدت وزارته شبيها له، وهو معالي وزير التربية والتعليم، هذا الرجل الذي أشبعنا تنظيرا بالمثالية، والتغني بالخدمات التي تقدمها الوزارة لخدمة العملية التعليمية، وبالجهود العظيمة المبذولة للرقي بالعملية التعليمية في البلاد، وانه سيصحح مسار التعليم، وابتدأ معالي الوزير بالمرحلة النهائية من مخرجات وزارته التعليمية، وراقب امتحانات التوجيهي لدرجة أثبتت انتكاسة القطاع التعليمي، في كل البلاد للسنوات السابقة بالدليل والبرهان، وصفقنا لمعالي الوزير وفرحنا بان جاء للوزارة من يعيد لها اعتبارها، حتى صدمنا بحادثة ما كان لها أن تحدث في زمن التنظير، وكبوة ما كان ليكبوها معالي وزير التربية والتعليم، وهي أن بعض طلبتنا الذين يحرص معالي الوزير على تأمين الظروف المناسبة لهم في مدارس وزارته، لا يجدون مقاعد يجلسون عليها في الحصص المدرسية داخل الغرف الصفية، وأنا أتحدث عن مدرسة واحدة فقط، واثبت ذلك بالمشاهدة والكشف الميداني، ولكن ما ينطبق على هذه المدرسة ممكن أن ينطبق على غيرها من المدارس، فأقول لحكومتنا الرشيدة ممثلة بمنظريها وبلغاء الخطابة فيها، أن حل مشكلة المقاعد الدراسية في مدرسة بنات نايفة الثانوية، التابعة لتربية عمان الرابعة، أجدر بالاهتمام من النظر بحل مشاكل التحالف الدولي على داعش، فالحكومة التي تعجز عن تحقيق الاحتياجات الأساسية هي عاجزة عن أن تحقق النجاح، وكثير عليها أن تتغنى بصناعة الأمجاد.

10‏/10‏/2014

محاور تفكيك المقاومة الفلسطينية


     كشف العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، مدى امتعاض الزعامات العربية من موقف القيادات الفلسطينية المقاومة في قطاع غزة وتحديدا حماس، وتمسكها الشديد بسلاحها، وتعتبره خارج نطاق البحث والنقاش، لأي تفاهمات أو مصالحات أو تسويات نهائية، وأكدت أحداث العدوان أيضا على حقيقة أخرى، وهي الدعم المتواصل والكبير لمساعي السلطة الفلسطينية بالسير في طريق مفاوضات سلام مع إسرائيل، مع تجاهل المراوغة الإسرائيلية للدخول في مفاوضات جادة معهم.

     وبعد أن تم التوصل إلى وقف إطلاق نار بين الجيش الإسرائيلي، والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، والدخول في برنامج تفاوضي يخدم قرار وقف إطلاق النار، وعودة الحياة الطبيعية لقطاع غزة، تنشط الجهود الدولية لإعداد الخطط للقضاء على المقاومة الفلسطينية، التي أظهرت قوة وتنظيم عسكري فاق التوقعات الإسرائيلية والدولية، والمحاور التالية من أهم المحاور التي يمكن أن تعتمد عليها إسرائيل والمحور العربي والدولي الذي يقف في صفها في رسم الخطة النهائية لتفكيك المقاومة والقضاء عليها.

أولا، من الممكن أن تعمل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والأمريكية وبعض أجهزة الاستخبارات العربية على كشف وتتبع خطوط الاتصال القطرية والتركية مع حركة حماس، على اعتبار أن قطر وتركيا من الدول الأكثر تأثيرا وتواصلا مع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، واكتشاف خطوط الاتصال هذه سيوصل المخابرات الإسرائيلية إلى تحديد أماكن الأشخاص الأكثر أهمية في صناعة القرار وإدارة العمليات العسكرية في قطاع غزة، ويسهل على إسرائيل مهمة استهدافهم.

ثانيا، ستعمل إسرائيل على استخدام وسائل تكنولوجية للكشف عن الأنفاق السرية التي أنشأتها حماس وإعداد خطة دقيقة لتدميرها، وستعمل على إعادة تجنيد عملاء داخل القطاع بعد كشف حماس لعدد كبير من العملاء خلال معركة العصف المأكول.

ثالثا، إسرائيل بدورها أيضا ستراوغ خلال مفاوضات التوصل لوقف دائم لإطلاق النار ولن تترك أي فرصة لفتح ميناء أو مطار في القطاع لأن وجود مطار أو ميناء في غزة سيعني حرية استخدامها من قبل حماس ولن تجدي عمليات المراقبة نفعا حينها لان إمكانيات حماس في وقف الرحلات الجوية لمطار بن غوريون ممكنه جدا وهذا معناه التعامل بالمثل في أي حالة أو مرحلة من مراحل الصراع الإسرائيلي مع المقاومة الفلسطينية في القطاع.

رابعا، ستعمل السعودية والإمارات على إغراق قطر بخلافات خليجية تؤدي إلى تشويه صورتها للضغط عليها لتتخلى عن دعم حركة حماس ماديا ومعنويا، كما ستواصل إسرائيل استخدام إعلامها ونفوذها في الضغط على قطر واظهارها بأنها دولة تدعم الإرهاب من خلال تبنيها مواقف داعمة لحركة حماس والتأثير عليها لتتخلى أيضا عن قادة حماس وعلى رأسهم خالد مشعل، وهذا يفسر خروج بعض القيادات الفلسطينية المحسوبة على حماس من قطر واستقرارها في تركيا.

خامسا، ستعمل مصر من جانبها على تنشيط عملها الاستخباري و تكثيف تواجدها الأمني والعسكري في صحراء سيناء ومناطق الحدود مع قطاع غزة لقطع الطريق على أي محاولات لتهريب الأسلحة أو المعدات الخاصة بصناعة الأسلحة يمكن الاستفادة منها في تعزيز القوة العسكرية في قطاع غزة، وكشف الأنفاق التي تستخدم لربط قطاع غزة بالأراضي المصرية.

سادسا، ستستمر حالة إذكاء الخلافات بين حركة فتح وحركة حماس وتوجيه الاتهامات لحماس بعرقلة مساعي التوصل لأي اتفاق يوحد الصف الفلسطيني، وتحميل حركة حماس المسئولية عن الدمار الذي حصل في قطاع غزة، واستغلال فترة إعادة الإعمار بتأنيب مشاعر السكان في القطاع ضد حركة حماس، واستغلال الحاجات المالية لغايات التصنيع الدفاعي لحماس والتي ستقوم بتأمينه من العائدات الضريبية التي ستفرضها على سكان القطاع، في حال تقليص أو انقطاع الدعم المالي الموجه للحركة من الخارج.

     وهذه المحاور يجب أخذها بالاعتبار من قبل المقاومة الفلسطينية، لتفويت فرصة المساعي الرامية لتفكيك المقاومة الفلسطينية، التي تعتبر آخر الحصون العربية وقوفا بوجه العدو الإسرائيلي، بعد أن احتوت إسرائيل الأنظمة العربية الأخرى.