27‏/09‏/2014

نظرية الفخ


     يرى السادة نواب المجلس السابع عشر، أنهم وقعوا في فخ نصب لهم بعناية من قبل الحكومة، حين دفعت بقانون التقاعد للمجلس، دون أن تشعرهم بأي معلومات قد تكون توفرت لديهم عن معارضة شعبية لهذا القانون، والتي انفجرت بسرعة كبيرة وفور إقرار مجلس النواب والأعيان للقانون، وقامت الصحافة والمنابر والفعاليات الشعبية منتقدة هذا القانون، ووجهت خطابها لجلالة الملك لرد القانون، ومراعاة الحالة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد.

     ويبدوا أن شبهة الفخ وان لم يصرح بذلك احد من السادة النواب، أتت من أن طرح الحكومة للقانون التقاعد بعد أن صوت السادة النواب على التعديلات الدستورية، التي حصرت تعيين رئيس الأركان ومدير الأمن العام بجلالة الملك، رغم أن الأصوات الشعبية تعالت مطالبة من السادة النواب باعتراض هذه التعديلات وعدم إقرارها، إلا أن آذان السادة النواب كانت لا تسمع تلك الأصوات، وغالبا هذا حالها، فالمشكلة التي يعاني منها مجلس النواب والحكومة في بلادنا، أنهم في وادي والشعب في وادي آخر، فكانت توقعات السادة النواب بأن تمرير التعديلات الدستورية، سيكافئ بتمرير قانون التقاعد.

     وعمليا لا يمكن للشعب أن يثق بالحكومة، أو بباقي مؤسسات الدولة، طالما أن خططها وأفكارها وحلولها لا تأخذ من المصلحة الشعبية قاعدة تؤسس عليها خططها وبرامجها، فالحكومة أصرت على عدم الرضوخ لمطالب الشعبية، بإجراء تعديلات دستورية حقيقية، تؤسس لديمقراطية فاعلة في البلاد، ولكن لا تتوانى الحكومة عن تقديم المشاريع القانونية التي تؤسس للتسلط، وترفض الحكومة مطالب نقابة المعلمين بحجة الأوضاع المالية، ونفس الباب كان مفتوحا من الحكومة لمطالب السادة النواب.

     أما مجلس النواب، والذي يعد صوت الشعب ونائبة أمام السلطة التنفيذية، التي لا يجب أن تخطو خطوة إلا بأذنه، لم نسمع له صوتا، أو نحس له همسا، أو نرى له موقف، حيال المشاركة الأردنية بالحلف الأمريكي الدولي على داعش، فأمريكا قائدة الحلف لم ترسل قواتها إلا بعد إذن الكونجرس الأمريكي، ونفس الشيء لباقي دول الحلف، أما نحن فلا، نعم نرفض ايديلوجية تنظيم داعش ونرفض سياساته، ونرفض إتاحة الفرصة لتكوين حاضنه له في الأردن، لكن هذا لا يبرر إقحام الجيش الأردني في معركة لا ناقة له فيها ولا جمل، والتسبب في تعريض البلاد لمخاطر هو في غنا عنها، ثم الم تكن التعديلات الدستورية الأخيرة تنص على أن مهام القوات المسلحة تنحصر في الدفاع عن الوطن وسلامته، أم تأخذ الحكومة من الدستور ما تريد وتعطل ما تريد، فالنواب والشعب باتوا على خبر مشاركة أردنية استخبارية فقط، واستيقظوا على خبر مشاركة عسكرية لطائرات سلاح الجو في الغارات الجوية على داعش.

     وأخيرا أقول إن مقولة النواب أنهم وقعوا في فخ غير صحيحة، بل الصحيح أنهم كانوا مضحكة للحكومة، وأضحوكة للشعب، وهي كلمات مرادفة لكلمة فخ من بعيد لبعيد.

20‏/09‏/2014

مشكلتنا البطالة وليست داعش


     تتزايد اهتمامات حكومتنا الرشيدة بقضية داعش، ومخاطرها المحتملة على الأردن، رغم أن التواجد الداعشي خارج الحدود، وفرص تخطيهم لحدود المملكة تكاد تكون بنسب صفرية، فالأردن ليس بالمطمع لا لداعش، ولا حتى لمن هم أسوأ من داعش.

     ونرى أن اهتمام الحكومة بكل أركانها ومراكز قوتها، يجب أن يوجه لحل مشاكلنا الداخلية، والتي تعد اكبر خطرا على المجتمع من الداعشية الحديثة، فالبطالة في صفوف الأردنيين بحاجة لجهود حقيقية للتصدي لها، فما تكاد منطقة من مناطق الأردن إلا ولها معاناة مع العاطلين عن العمل، وهنا لا نريد أن نحصر الأمراض الاجتماعية ونختصرها بالبطالة، وإنما أريد أن أبين أن المعالجة السطحية لهذه المشكلة لم توصلنا إلى حلول بالمستوى المطلوب، الذي يتناسب مع خطر هذه المشكلة، وأهمية التصدي لها.

     ولنسقط الحدث على البادية الجنوبية، وبعدها يمكن القياس على باقي مناطق المملكة، فالحال إلى حد كبير متطابق، فالحكومة الرشيدة تتوجه لحل مشكلة البطالة في البادية الجنوبية، من خلال فتح باب التجنيد العسكري لأبناء البادية، وهذا أمر رغم كونه إجراء محمود، وله إسهام كبير في تخفيف عبء البطالة بين صفوف أبناء البادية، إلا أن هناك مشكلة لم تتمكن الحكومة تخطيها من خلال هذا الإجراء، وهي أن هناك شريحة من المجتمع لا تتناسب معها الخدمة العسكرية من جهة، ومن جهة أخرى هناك شريحة لا يمكن للجهات العسكرية استيعابه، مثل العاطلون عن العمل للفئة العمرية التي تزيد عن 27 سنة، أو للأشخاص الذين بحقهم قيود أمنيه، أو للأشخاص ذوو الاحتياجات الخاصة، أو للسيدات الراغبات بالعمل، أو للأشخاص الذين فاتتهم فرصة التحصيل العلمي، أو لظروف شخصية أخرى تتعلق بهم.

     وإذا أردنا هنا أن نميز حالة أبناء البادية الجنوبية عن غيرها من مناطق المملكة، فذلك يعود لعدة أسباب منها، ضعف الحركة التجارية في البادية الجنوبية مترامية الأطراف، بسبب تدني مستوى الدخل للأسر، مما اضعف فرصة الانخراط في الأعمال التجارية الخاصة، والمشاريع الصغيرة لأبناء البادية.

     ومن الأسباب الأخرى أيضا، ضعف الاستثمار في مناطق البادية الجنوبية، سوى ما كان من شركة مناجم الفوسفات، والشركات التي تدور في فلكها لصناعة الحوامض الكيماوية، ومصنع الاسمنت، وهي شركات تحملت عبء كبير في قدرتها الاستيعابية لعدد الموظفين من كل أنحاء المملكة، ولن تستطيع أن تسهم في حل مشكلة أبناء البادية المتعطلون عن العمل.

    والمطلوب من حكومتنا النظر بهذه القضية، وإيجاد الحلول المناسبة لها، والأخذ بعين الاعتبار للظروف الخاصة لهذه الشريحة من المجتمع، وإعطائها الأولوية التي تستحقها، لان كثيرا ممن يعانون ظروفا اجتماعية متردية، تزداد لديهم دوافع التطرف الذي تَحذر الحكومة منه وتُحذر منه.