18‏/08‏/2014

شر الشر شرعنة التسلط



     يقال أن الدستور الأردني يصنف ضمن مجموعة الدساتير الجامدة التي تتبناها العديد من الدول، وهذا المفهوم معناه أن الدستور لا يتم تعديله بسهولة، وإنما يتطلب أمر التعديل الدستوري قنوات دستورية متعددة، قد تبدأ من جسارة عشرة نواب بطلب تعديل على الدستور، ثم موافقة مجلس النواب، ثم الدفع بالمقترح لرئاسة الوزراء لإجراء المقتضى القانوني، أو أن يقوم مجلس الوزراء بتقديم مشروع تعديل دستوري، ويُعرض على النواب لإقراره، ثم يرسل إلى مجلس الأعيان، ثم للملك كي يصادق عليه، أو يقوم الملك بتشكيل لجنة لتبحث بالتعديلات الدستورية المطلوبة حسب وجهة نظر الأكثرية الشعبية في الظروف الاستثنائية، التي قد تمر بها البلاد.

      وعلى الرغم من تعقيد إجراءات التعديل الدستوري إذا كانت المطالب بالتعديل نابعة من القاعدة، أي أن تكون نتيجة مطالب شعبية، فصراع مرير بين الحراكات الشعبية، والقوى السياسية في البلاد، لإجراء تعديلات دستورية تخدم المصلحة الوطنية، لغايات تفعيل بنود الدستور المجمدة أساسا، والتي تعتبر من ابسط الحقوق السياسية للمواطن الأردني، بحجة أن التعديل المطلوب يمس مساس مباشر بصلاحيات الملك، حسب رأي الفريق المعارض لأي تعديل دستوري يحصن مجلس النواب من الحل، أو يعزز صلاحيات الحكومة وولايتها العامة، الأمر الذي يخشى منه أن يستغل أي تعديل دستوري من هذا القبيل لصالح مشروع توطين الأشقاء الفلسطينيين، وتضييع الحقوق الفلسطينية، والقضاء على حلم إعادة فلسطين وتحريرها، على اعتبار أن القضية الفلسطينية هي القضية الأولى التي تتحد الحكومات العربية جميعها على اعتبارها قضيتهم الأولى.

     وعلى الرغم من الإجراءات القانونية المعقدة لتعديل الدستور، نجد أن الرغبة الحكومية في تعديل الدستور لها أبواب أخرى أكثر سهولة ويسر، فالأمر لا يتطلب سوى استئذان دولة الرئيس بان يجري بعض التعديلات الدستورية، لتكون في صبيحة اليوم التالي تحت أقلام معالي الوزراء، ليوقعوا على مشروع التعديل، ويدعى مجلس النواب للانعقاد بدورة استثنائية، ليبارك هذا المشروع ويقره، وحتما وبما أن هذا التعديل الدستوري المفاجئ جاء بالرغبة، فلن يتم إقراره حكما بمضي المدة القانونية على رفعه للمصادقة.

     واعتقادي أن هذه الرغبة بالتعديل الدستوري، ستكون آخر رغبات دولة النسور الذي تخندق طويلا بخندق المعارضة، وما أن وصل إلى الدوار الرابع حتى بدا عليه انه ما عارض الحكومة يوما قط، فقد دخل الحكومة مسئولا وهو اليوم مأمورا ومستشارا لا يستشار في الأمن الوطني فما لم يكن في الليالي الظلماء كان على عصر النسور في الأيام المشرقة.

أسرار داعش


     إن الإسراع الدولي في التبرئة من داعش، وإعلانها جماعة إرهابية، يعطي مدلول على أن هذا التنظيم تقف ورائه قوى ذات قدرات اقتصادية كبيرة، وهذا الاستنتاج يمكن الوصول إليه من توفر الأسلحة والذخائر للتنظيم طيلة الفترة التي مارس خلالها نشاطه العسكري، فعمليات التزويد للأسلحة والذخائر تحتاج إلى استراتيجيات مهمة، متعلق جزء كبير منها بالإمكانيات المالية، التي تدفع ثمنا لهذه المواد، وأيضا تكاليف النقل لهذه المواد وتوصيلها للمواقع القتالية، وهي بحاجة أيضا إلى مستودعات وآليات تخزين وإمداد مستمر.

      كما أن هذه الأسلحة والذخائر يستبعد تأمينها بشكل مباشر ووحيد من مستودعات ومخازن الأسلحة، العائدة للجيش السوري والجيش العراقي، لسبب مهم وهو أن المنطقة التي ينتشر بها تنظيم داعش حاليا، والتي تشكل أجزاء من شمال غرب العراق وشرق سوريا، تمثل مناطق أقليات في كل من سوريا والعراق أصلا، وبذلك فهي ليست مناطق ذات خطر على الأمن الوطني لكلا البلدين، حتى يتم تخزين الأسلحة والذخائر في المعسكرات التابعة لهم فيها، خشية أي مواجهات طارئة مع السكان في هذه المناطق.

     وهذا الأمر يؤدي إلى تنامي الشكوك حول آلية تزويد مستمرة للتنظيم بالذخائر والأسلحة من قبل حليف قوي لهذا التنظيم، ومن المؤكد لن يكون هذا الحليف سوى جهاز استخباري دولي، قادر على تقديم الدعم اللوجستي والمادي للتنظيم، ليكون هذا التنظيم قادر على البقاء والصمود، والاستمرار في التحرك العسكري، مع الاحتفاظ بمخزون استراتيجي يسهم في إنجاح المشهد الأخير من مسلسل التظليل على تورط دول بعينها في دعم هذا التنظيم، الذي وجد أصلا ليشوه صورة الجماعات الإسلامية خصوصا.

     ومما يدعو للشك حول هذا التنظيم هو أيضا مكان انتشاره، فالمنطقة التي يبسط التنظيم عليها سيطرته تكاد تكون منطقة خالية من المسلمين العرب السنة، أي انه لم ينشأ في حاضنة سنية تعزز وجوده، وإنما يكتفي في صموده على الأفراد المقاتلين، وعلى التزويد والإمداد العسكري من جهة، وعلى ارتكاب الجرائم بحق الأقليات من جهة أخرى، بل إن المنطقة التي ينتشر بها تنظيم داعش، هي مناطق تقطنها الجماعات الكردية، والأقلية اليزيدية، وبعض الأقليات المسيحية، ووجود تنظيم داعش في تلك المنطقة وتنكيله بهذه الطوائف، يسهم بشكل كبير بخدمة الهدف الأساسي غير المعلن لتنظيم داعش، وهو تشويه صورة الجماعات الجهادية الإسلامية، وهذا الهدف الذي تعمل عليه داعش، يخدم بعض الأنظمة العربية القائمة حاليا، قبل أن يخدم أي دولة خارج منظومة الدول الإسلامية.

      فتشويه صورة الجماعات الإسلامية، سيمكن القيادات العربية التي تقف في وجه الإصلاح السياسي والاقتصادي، من استثمار انخراط داعش بالأعمال الإجرامية، التي تقوم بها لعكس الصورة على باقي الجماعات الإسلامية الإصلاحية، وترهيب المواطن من خطر الإسلام السياسي، والشاهد لديهم هو ما يقوم به أفراد تنظيم داعش الذي يدعي انه التنظيم الذي سيحمي راية الحق والدين.
     فصمود داعش واستمرار تزويدها بالعتاد والأسلحة، وارتكابها لأعمال إجرامية باسم الدين، يخدم فقط أصحاب العروش التي تحارب الإسلام وأهله، وان كانوا يلبسون عباءة الإسلام، ويدعون أنهم هم أنصاره، ورغم الشكوك بأنهم هم أيضا من يقف وراء داعش ويدعمها.