30‏/12‏/2013

الفساد في الإنفاق الحكومي


     يشكل الإنفاق الحكومي العام بشقية الرأسمالي والجاري اكبر تحدي أمام واضعي السياسة المالية في الدولة، فمثلا الإنفاق العام الجاري والمتمثل بالإنفاق على الدفاع والصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية، يستنفذ أكثر من 85% من حجم إنفاق الدولة العام، وبالنظر للموازنة العامة للدولة، يتوجب على الحكومة اعتماد سياسة مالية رشيدة، تمكنها من تحديد أولوياتها بدقة، وتوجيه الإنفاق نحوها، والابتعاد عن أي تسريب مالي على شكل نفقات عامة يؤدي إلى هدر الموارد المالية المحدودة جدا للدولة.

     وفي هذا الصدد انوه إلى وجه من وجوه الإنفاق العام، الذي يعد تسريب مالي ينعكس سلبا على أداء الاقتصاد الوطني، وهو الإنفاق الحكومي بتأمين السكن الوظيفي، وتحمل مصاريف المساكن الوظيفية بعد ذلك، فعلى سبيل المثال تمتلك الحكومة من ضمن الدومين الحكومي، مساكن تقوم بتأجيرها للموظفين مقابل بدلات مالية بسيطة، قياسا بمستوى بدلات الإيجار للمساكن بسعر السوق، ضمن المواقع التي تكون بها هذه المساكن، وهنا قد لا تكون هناك أية مشكلة، فالحكومة لا تتحمل أية كلفة إضافية لقاء تأجير هذه المساكن ببدلات مالية وان كانت بسيطة، ولكن المشكلة تكمن في الأثر المترتب على الاقتصاد الوطني، في حال قيام المؤسسات الحكومية باستئجار شقق سكنية للموظفين بسعر السوق، من القطاع الخاص، ومنحها للموظفين ببدلات إجار رمزية مع تتحمل الدولة كلفة الفرق بين رسم الاستئجار بسعر السوق، وبدل التأجير للموظف بالبدل المالي الرمزي، وفي بعض الحالات تتحمل الحكومة أيضا نفقات الماء والكهرباء، لهذه المساكن المستخدمة من قبل الموظفين تحت اسم السكن الوظيفي.

     فإذا كنا في زمن الحديث عن العدالة المجتمعية، فمن المؤكد أن الحكومة عاجزة عن تأمين سكن لكل موظف، وتحمل نفقاته من ماء وكهرباء، فالأولى بالحكومة اقتصار تأمين المساكن على ما تمتلكه فقط من مساكن ( دومين حكومي)، ويكون التوزيع وفق آليات ومسوغات عادلة، والتوقف فورا عن دفع أي مستحقات مالية، بدل خدمات الماء والكهرباء والمترتبة على السكن الوظيفي لأي من الموظفين المستفيدين من خدمات السكن الوظيفي.

     وإذا كنا نرى أن الفساد مفهوم عام للسلوكيات السلبية و الخاطئة التي تهدف إلى اكتساب أو إكساب منفعة مادية أو معنوية بغير وجه حق، خلال ممارسة مهام تسيير عمل ما، أو خلال فترة السيطرة على القرار المسير للعمل، فيجب التوقف عن استئجار المساكن وإعادة تأجيرها بحجة تأمين سكن وظيفي لبعض الموظفين على حساب الحكومة.

     وإذا كنا نرى أن الاقتصاد العام للبلاد يعجز عن الوقوف على قدميه، فعلى الجميع تحمل مسؤولياته، وعدم تحميل العامة مصروفات الخاصة، تحت ذريعة المكتسبات الوظيفية، وعلى الحكومة ضبط الإنفاق بالشكل الذي يؤمن للبلاد تحقيق توازن مالي وتوازن اجتماعي لا يمكن لأي طرف الاستغناء عنه.

02‏/12‏/2013

العيش في ظل كذبة كبيرة


     يتميز الشعب الأردني من بين الشعوب العربية بأنه شعب متعلم، ولديه طاقات بشرية كبيرة قادرة على تحقيق انجازات تقنية وعلمية، إذا توفرت الإمكانات والموارد المناسبة، وكثير من أصحاب رايات النجاح تمكنوا من بناء قدراتهم الذاتية بعصامية تامة، واستطاعوا إثبات نظريات النجاح بكل كفاءة واقتدار، ومع ذلك أيضا تمكن أفراد من الشعب الأردني أن يثبتوا للعالم اجمع أنهم يمتلكون قدرات خارقة في التميز والفهلوة وتحقيق الانجازات العظيمة من السراب.

     فنحن في الأردن البلد الوحيد الذي استطاع أن يحقق مردود اقتصادي كبير من عوائد الخصخصة، ولم يسجل قيد قانوني واحد يثبت انه تم التصرف بأي من هذه العوائد لغير الأغراض المخطط للإنفاق عليها، بمعنى أن مستوى الفساد صفر، ونتيجة لذلك شهد قطاع الأعمال الأردني نموا كبيرا، فاق النمو الذي عاشه الاقتصاد الأردني مطلع الثمانينات من القرن الماضي، وانخفض مستوى البطالة لأدنى معدل له في تاريخ المملكة، رغم التصريح الحكومي على محافظة بياناتها على نسبة 12-13% التي تتستر بها لغايات تحصيل المنح والدعم للاقتصاد الوطني، وهذه كذبة كبيرة وللأسف أننا نعيش في ظلالها ولا يوجد ما يثبت عكسها.

     أما في مجال الإبداع الإداري فحدث ولا حرج، فالحكومة تتبنى سياسات ترشيد إنفاق حكيمة، وتشدد الرقابة على العطاءات الحكومية، وتراعي في ذلك المهنية العالية، وتحرص على تحقيق أعلى درجات الجودة عند استلام المشاريع المنفذة، فالمدارس والمستشفيات والطرق المنفذة من قبل المتعهدين وشركات المقاولات، لا تعاني من أي مشاكل أو عيوب، بل يتم استلامها وفقا للأسس والشروط المحددة، ولا داعي لرفض استلام أي مشروع، فكل الكتابات على الورق، تثبت سلامة وصحة الأعمال، وان كانت الشواهد البصرية تكذب ذلك، فربما عذر الحكومة أن ذلك لا يعدو كونه خداع بصر، أو إنها كذبة كبيرة نقنع أنفسنا بصدقها، ومصداقية الحكومة عند الحديث بخصوصها.

     أما فيما يتعلق بالنظريات الاقتصادية وحجج الإقناع، فيكفي لنا تصريح صغير مقتضب من دولة رئيس الوزراء، يغني عن كل النظريات التي درسناها بالجامعات، لإقناع الشعب الأردني عالمه ومتعلمه وجاهله، بان البلاد كانت على هاوية الإفلاس، وإنها بدون عبدالله النسور ستكون في مقبرة التاريخ، وأنها ستكون بلاد بدون بشر، ونحن نصدق أن عبدالله النسور بطل وطني، أو على الأقل يشبح ببطولات مبنية على انقاذ الأوهام، والغريب العجيب أننا رغم إدراكنا لفهلوة وشطارة النسور، إلا إننا نقتنع بكلامه، وخصوصا إذا أعسل لسانه بالحديث واسترسل في حب الوطن.

    أما آخر إصدارات الفهلوة الأردنية والعبقرية الإدارية، فهي قضايا نصب على الشعب، إما أن نكون فيها ضحايا أو جناة، وهذا ما ستكشفه الأيام بعد إشاعة خبر بيع حصة مؤسسة الضمان في بنك الإسكان، فان صدق الخبر فعلى البلاد السلام، ولن يجدي لسان النسور نفعا يومها، ولن يكون المواطن ساذجا ليجد عذرا لمجلس النواب إن مرر هذه القضية، مثل ما مرر قضية الكازينو قبلها، أو ربما تحيل هيئة مكافحة الفساد القضية إلى الصندوق البلاستيكي العجيب، الذي تمكن من حفظ كبريات قضايا الفساد.