29‏/10‏/2013

طين بطين


     من أقوال الجاحظ قوله: ليس في الأرض عمل أكدُّ لأهله من سياسة العوام، وينقل عن شيخه واصل بن عطاء قوله، ارجعوا الطيان إلى تطيينه، وكل إنسان إلى صناعته، واعلموا أن المنطق يقول ( قاربوا هذه السفلة(العوام) وباعدوها، وكونوا معها وفارقوها، واعلموا أن الغلبة لمن كانت معه، وان المقهور من صارت عليه).

    وفي الواقع إن كنا نتذمر من التوريث في المناصب القيادية في بلادنا، ونستكثر على دولة احدهم انه ابن دولة، وحفيد دولة، وآخر دولة شقيق مدير مخابرات، واحدهم معالي ابن معالي، أو معالي زوجة معالي، أو مستشار ابن دولة، أو مدير ابن دولة، فالتاريخ السياسي الإسلامي مليء بمثل هذه الأفكار والسلوكيات، ففي العصر العباسي كان هذا التوريث أيضا موجود، فمثلا الوزير ابن مقله، خلفه ابنه وهو في الثامنة عشرة من عمره ( فطحل ابن فطل)، وكذلك تولى أبو الفتح بن العميد الوزارة بعد أبيه، وعمره واحد وعشرون سنه ( ابن عز يا عمي)، ومن آل خاقان أربعة وزراء في سبعين سنة ( مطوبة بأسمائهم الوزارة )، وكذلك تقلب أربعة من بني الفرات الوزارة في خمسين سنة ( ليش آل خاقان أحسن منهم يعني)، وكان ابن العميد وزيرا لعماد الدولة، وكان ابنه وحفيده وزيرين لركن الدولة ( إحنا بهالبلد أحسن منهم يعني)، وأما بنو وهب فقد توارث عشرة منهم أرقى مناصب الدولة، وكان أربعة منهم وزراء ( ومستكثرين اليوم على واحد وعياله ثلاث كراسي قيادية).

     وعلى الرغم من الركض وراء الإصلاح في بلادنا، ودب الصدر بالالتزام بهذا النهج، إلا إننا نجد أننا كل يوم نترنح ونرجع للوراء - بالمخابطة والملاخمة- وكل ما نحاول نتفهم مصيبة ونلتمس أعذار، تظهر لنا مصيبة اكبر عشر مرات - وهات دبرها عاد-  واقنع هالشعب بالمصالح الوطنية العليا، وبعد النظر السياسي الثاقب -  وزغردي يا مطيعة -.

     بلد فيه ستة ملايين بني آدم، من غير الإخوة السوريين والمصريين، وباقي الجنسيات العربية والأجنبية، استبعد الثلثين منهم بحجة أننا شعب فتي، باقي مليونين، خلي تسعين بالمائة منهم ما هو قاري ولا يفهم بالسياسة والإدارة- ول هالميتين ألف اللي بقو - منتو لاقين منهم كم واحد تحطوه مسئول، وتسووا منه شخصية كبيرة بهالبلد، بدل هالي حاطينهم وتكرروهم وتورثوهم واغلبهم وجهه ورا، ومهتمين بتلميعهم، وتعملوا منهم رواد التغيير والإصلاح، وكل خلفيتنا عنهم طين بطين.

22‏/10‏/2013

حلو لسان قليل إحسان


     يبدو أن الأعذار التي كنا نلتمسها لدولة رئيس الوزراء، والتي جاء بها إلينا عند تحرير أسعار المحروقات، لم تعد تؤدي الغرض منها عند تحديد أسعار قوت المواطن، وان النتيجة التي وصلنا إليها، أن السياسات التي اتبعها دولة الرئيس لإنقاذ الاقتصاد الوطني كانت سياسات تحزُرية، وتخمينية، أكثر منها علمية وواقعية، بدلالة بقاء المشكلة الاقتصادية قائمة، رغم العلاجات الجراحية التي قام بها دولة النسور وأثقلت كاهل المواطن، وزعزعت الثقة بالوضع الاستثماري في المملكة.

     ومما يلاحظ على سياسات دولة الرئيس المالية، انه حريص على ما بأيدي الناس وجيوبها، على ما هو موجود في خزانة الدولة، وذلك باتخاذ إجراءات تحرير ورفع، بدل اتخاذ إجراءات حقيقية وفاعلة في تخفيض الإنفاق، والاكتفاء بتلك اللائحة التي تصدر بها الكلام من دمج بعض الهيئات وإلغاء أخرى، فكانت كالماكياج على وجه العجوز.

     وعلى الرغم من تردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد، فان اللوم لن يتعدى النسور، فالرجل أتى بمجلس نيابي استطاع من خلاله أن يحافظ على كرسي رئاسة الوزراء، فهذه لعبة الديمقراطية، وهذه فنونها، فهذه الحصانة التي يرجو دولته أن تثمر ثمارها، شرط من شروط الإصلاح الذي يطالب به الشارع، وسكانه، ومن هو مؤهل للإقامة بالسجون، والمساجين أصحاب المطالب الإصلاحية.

     إلا انه وبرغم الوعود الكثيرة بحصانة إرادة الشعب في اختيار الرئيس، إلا أن أيام النسور باتت معدودة لسببين من وجهة نظري، أولهما أن دولة الرئيس بقي عليه تحرير أسعار الخبز، وهذه لن تشكل له هم كبير، فالرجل يمتلك من حلو الكلام ما يمكنه به من إقناع الشعب بالضرورة الاقتصادية الملحة لهذا القرار، وانه قرار استراتيجي لإنقاذ اقتصاد البلاد، بعد تخلى الدول المانحة عن دعم الحكومة نتيجة قراراتها المحافظة على المصالح العربية الإستراتيجية، ونتيجة محايدة القرارات الحكومية وعدم تدخلها بالشؤون الداخلية لدول الجوار والمنطقة.

     أما السبب الثاني فقد يكون لا دخل لدولته به، ولكنه سيكون آخر من يعلم به، فهو أن القرار السياسي في البلاد يفرض على أصحابه التخلي عن أي رئيس وزراء إذا رأى أن الرئيس قد أنهى المهام التي كلف بها - لا اقصد بكتاب التكليف - ولكن التي كلف بها ليكلف أصلا، ويبدو أن النسور قد قطع شوطا كبيرا في السراح بعقول الشعب، وقد أفنى كل حلو الكلام الذي اكتسبه خلال حياته السياسية والعملية، وقد وصل إلى النتيجة التي ستحكى عنه، كثمرة لهذه الخبرة الطويلة من بنات شفاه الناس، وهي أن دولته حلو لسان قليل إحسان.