30‏/12‏/2012

مجلس نواب 2013


     يبدو جلالة الملك في ورقته النقاشية الأولى، التي أطلقها مع بدء مرحلة العد التنازلي لإجراء الانتخابات النيابية، متفائل  بالمرحلة القادمة، لدرجة انه يرى أن المرشحين للانتخابات النيابية يسعون لشرف تحمل المسؤولية، وليس اندفاعا منهم لتحصيل منصب يسهم بتحقيق مكاسب شخصية لهم.

     كما ويحث الملك الناخبين، على ضرورة منح أصواتهم للمرشحين الذين يولون الوضع الاقتصادي، والقضايا الوطنية، والرؤية المستقبلية، الأهمية اللازمة، وتجنب أولئك المرشحين الذين تربطهم بهم علاقات شخصية، وصلات قربى.

     كما ويدعوا الملك إلى عدم الالتفات إلى اختلافات الرأي، التي أخذت من المقاطعة وسيلة للتأثير على الممارسة الديمقراطية، وحالت دون حدوث التوافق المنشود، وحث على تجاوز هذه الخلافات، عملا بمبدأ أن الديمقراطية لا تكتمل إلا بالمبادرة البناءة، وقبول التنوع والاختلاف في الرأي.

     وقدم جلالته أربعة مبادئ وأساسيات لا مجال للحياد عنها، ويجب أن تصبغ سلوكياتنا السياسية والاجتماعية، كي نصل إلى نظام ديمقراطي بالمستوى الذي نطمح له، وهي أن الاحترام والثقة المتبادلة واستيعاب كل منا للآخر، أساس الشراكة بين الجميع، كما إن المسائلة لمن في موقع المسؤولية، ومحاسبة ممثلين الشعب على أساس التزاماتهم التي قطعوها على أنفسهم، تعد استمرارية لنهج الديمقراطية، وعدم انقضائها مع سقوط ورقة الاقتراع في الصندوق، والتركيز على تغليب لغة الحوار، وتقديم المصلحة الوطنية على ما سواها، واستخدام الأدوات الديمقراطية في وقتها المناسب، ونبذ العنف والتخريب بكل أشكاله، وأخيرا فان الانجازات والمكاسب ثمرة لجهد الجميع، والتضحيات في سبيل تحقيق هذا النجاح، يجب أن يسهم به الجميع أيضا.

     واختتم جلالته بالتأكيد على أن الأردن دخل مرحلة جديدة من النضج السياسي، داعيا الجميع للمشاركة بقوة، في صناعة مستقبل البلاد، من خلال التصويت بالانتخابات.

     وفي قراءة موجزة للواقع، نجد أن المترشحين للانتخابات النيابية هذه الدورة، هم امتداد للمرشحين في الدورات السابقة، وان كانت نسبة من ترشح من أعضاء المجالس النيابية السابقة هذه المرة اقل من التوقعات، إلا أن طابع القدرة على تقديم الخدمات يبقى هو العنصر الأكثر جاذبية لأصوات الناخبين.

     ثم إن بنية قانون الانتخابات التي جاءت على نظام الصوت الواحد، هي ركيزة أساسية لوأد أي نية إصلاحية على مسيرة الديمقراطية، بل وان نظام الصوت الواحد هو مقياس غير دقيق للدلالة على الوزن السياسي للكيانات السياسية، تتمسك الحكومة باستخدامه للمحافظة على بنية الدولة التقليدية.

     ثم إن المخاوف من امتداد سيطرة الإسلاميين في المنطقة، جعلت الحكومة تبحث عن تكوين سياسي مضاد قادر ولو إعلاميا على ملء الفراغ والعزوف السياسي في البلاد، لتكوين نواة مشروع ديمقراطي جديد، يتماشى مع ضروريات ومتطلبات الفترة الراهنة، وان كان هذا التكوين لا يعبر عن أغلبية شعبية، أو حتى نصف الأغلبية من طموح الشعب، فلجأت للقوائم الوطنية وبعض الأحزاب اليسارية، لاستخدامها كبدائل مطروحة، لإكمال مشروع الديمقراطية الجديدة بمجلس نواب 2013.

25‏/12‏/2012

على اعتبار ما سيكون


     إن فرار بن علي من تونس، وسقوط مبارك في مصر، وقتل القذافي في ليبيا، وتنحية علي صالح عن عرش اليمن، واستماتة بشار للحفاظ على عرشه الذي ورثه عن أبيه، كشف للمواطن العربي مدى تشبث الحكام العرب بالسلطة، ومدى استماتتهم في البقاء على عروشهم، وان وصل الأمر إلى حد القتل، الذي أصبح عندهم أسهل من الاعتقال أو التعذيب، في صفوف أفراد الشعب الثائر في بلادهم.

     نعم أصبح المواطن العربي يشك أن كل حكام العرب تخرجوا من مدرسة واحدة، تعلموا فيها فنون التنكيل بالشعب، فالظاهرة تبدأ إمكانية استشعارها من قبل المواطن المسكين، من الرفاهية التي يعيش بها هؤلاء الزعماء، في حين أن شعوبهم تئن تحت وقع الفقر، ثم من قراراتهم التي لا تخدم إلا مصالحهم ومصالح أعوانهم وزبانيتهم، وإصرارهم على المراهنة على الحصان الخاسر دائما، وتوجهاتهم التي تقود البلاد والعباد إلى الهاوية.

     ففي العراق شرقا سيرتج كرسي المالكي ارتجاجا عنيفا، وسيُسقط العراقيون المالكي، لأنه عنوان الأزمة العراقية، فالمراهنة على صداقة المالكي لن تجلب لنا سمنا ولا عسلا، وان كانت ستجلب له مزيدا من الثقة بالنفس وشيئا من الغرور.

     وفي سوريا شمالا، بدأ الجيش السوري الحر يجهز مشنقة بشار الأسد، الذي لم يبقى أمامه كثير من الوقت، للصعود على منصة الإعدام، ولن تنفعه يومها كل ترسانة روسيا الحربية، نعم سيثأر السوريون من بشار، الذي قتل أطفالهم، ونسائهم، وشيوخهم، وهدم بيوتهم، وتفنن في تعذيبهم، وجعل من المخابز أهدافا لطائراته الحربية، يخلط لهم طحين الخبز بدم الموت.

     فإذا كنا نتمسك بالمحافظة على علاقة طيبة مع نظام الأسد المتهاوي، أو نظام المالكي اللاحق به على عجل، فإننا حتما سنكون في وضع لا نحسد عليه بعد حلول الربيع، فهما نظامان يعيشان ساعة الاحتضار، ولن تكون لنا عند من بعدهما سابقة معروف، أو يد إحسان، وعلى ذلك سنعامل منهما، وبذلك نكون خسرنا الميت، وما تعوضنا بالحي.

     علينا أن نعي تماما، أن ما يدور حولنا، لا يحتاج إلى تأشيرة دخول، أو موافقة مسبقة ليصل إلينا، فالخطأ في هذه المرحلة التي نعيش بها، وفي ظل الظروف التي نمر بها، معناه انتحار شعبي شامل، وخسران مبين، لا يستطيع أي منا تحمل نتائجه، ولن تقوى حكوماتنا مهما تقشفت، أو أصبحت نزيهة ونظيفة، من الاعتماد على نفسها، إن اقفل أمامها باب المشرق، أو باب الشمال، فيجب أن يكون موقفنا اليوم من الأحداث التي تدور حولنا، يأخذ بالاعتبار ما سيكون غدا.

09‏/12‏/2012

أنقذونا


     تعمل الحكومة جاهدة، على تعرية التيارات السياسية من أي طابع للمصداقية الوطنية تتصف به، فتهمة العمل بأجندات خارجية تشكل عنوان إعلامي بارز للتشويه، وأسلوب مفضل لديها، والشخصيات المعارضة عملاء في نظرها، وتطرح على الطاولة أمام الناس كل أخطائهم ، وتستخدمها كأدلة إعلامية على صدق ادعاءاتها، أما الحِراكات فتتهمها الحكومة بأنها حِراكات غير منضبطة، وأنها منفعلة دائما، وسقف شعاراتها خارج نطاق سيطرتها، مما يجعلها عرضة دائما للقمع الأمني.

     وفي المقابل تناكف التيارات السياسية والحِراكات الشعبية الحكومة، وتنظر للقرارات الحكومية على أنها قرارات خاطئة دائما، وفي أحسن أحوالها قاصرة عن تلبية الحد الأدنى من الطموحات الشعبية، وتستخدم أسلوب استعراض القوة في الشارع لتجبر الحكومة على التراجع عن قراراتها، التي تعتبر مرفوضة في نظرها.

     هذا السجال الدائر منذ قرابة العامين في بلادنا، نعيه، وندركه، وننفعل لأجله تارة، ونجاريه تارة أخرى، ونتابع أحداثه أول بأول، ونتجاوب معه بشكل كبير، حتى وجدنا أنفسنا لا نحن من حقق الإصلاح، ولا الحكومة التي نجت من الملام الشعبي، ونكتشف بعد ذلك أن الوقت الذي كنا نؤجج الشارع به على بعضنا البعض، استثمره المفسدون في نشر الحبوب المخدرة بين الشباب في مجتمعاتنا كافة، فلا تكاد تخلو حارة من حارات المدن أو الأرياف الأردنية، من مروجين لهذه الحبوب المخدرة، ولا أبالغ إن قلت أن كثيرا من بيوتنا أصبحت تعرف هذه الحبوب المخدرة، التي لقيت من المتعطلين، ومن طلاب المدارس، وحتى بعض أرباب الأسر، مستهلكين لها.

    فعلى الدولة التي تتشدق بأنها دولة تحمي المواطن، وأنها توفر له الأمن، وان وجودها هو سبب النعيم الذي ينعم به، وتتخذ من الأمن ذريعة في إقناع المواطن بان لا يعارض سياساتها، ويخرج في المسيرات الاحتجاجية المناهضة لها، أن تتحمل مسؤولياتها كاملة، وتقاوم انتشار تجارة الحبوب المخدرة التي عمت البلاد.

     ليس من المعقول بعد كثرة الشواهد، أن يخرج لنا مسئول في أي من الأجهزة الأمنية، ليقول أن الأردن بلاد ممر لمثل هذه التجارة، وليست بلد مقر لها، لأننا حينها لن نستطيع أن نصف هذا المسئول بأقل من انه كاذب، فكفى تعامي عن هذه الظاهرة التي بدأت تنتشر في المجتمع، بسبب القصور الأمني في معالجتها، فمن المؤكد أن هذه الحبوب المخدرة لا يتم إنتاجها محليا، وإنما أتت من خارج البلاد، ولا يلي حماية الحدود الأردنية إلا الأجهزة الأمنية بمختلف مسمياتها، فأي قصور في الواجب، فهو مسؤوليتهم، ومسؤوليتهم وحدهم، والضرر اللاحق بالمواطنين أيضا من مسؤولياتهم.

     فهل تعجز الأجهزة الأمنية عن ملاحقة هؤلاء المفسدين وضبطهم، وتخليص الناس من شرهم، وهل تعجز الحكومة عن إصدار تشريعات رادعة لهم، فإذا كانت الحكومة تجيد التضييق على حريات الناس، فهل هي عاجزة عن مواجهة هذه الموجة من الفساد، فالواجب الملقى على عاتق الأجهزة الأمنية، هو التصدي لمثل هؤلاء، قبل أن يعم البلاء، ويصل إلى مراحل يصعب علاجها أو السيطرة عليها.

02‏/12‏/2012

إما حكمة أو فوضى


     قد تكون عدم قدرة التيارات السياسية و الحراكات الشعبية على الاتفاق فيما بينها، لتعمل برؤية مشتركة، وتوحد جهودها في التعامل مع المعطيات الموجودة لديها بمرونة كافية، ساعد الحكومات الخمس التي عاصرت حراكات الشارع على التغلب على نشاطاتها، والحد من تأثيرها على مدى العامين الماضيين، فالحياة كلها قائمة على المسايسة واغتنام الفرص، والملاحظ أن النهج المتبع من كل الأحزاب والحراكات من جهة، والحكومة من جهة أخرى، تقوم على تصيد الأخطاء للآخرين.

     ولو نظرنا للواقع الأردني لوجدنا أن الحراكات تطالب بالإصلاح ومحاربة الفساد والفاسدين، متخذة من قانون الانتخاب والتعديلات الدستورية ويضاف إليها قرار رفع الدعم عن المحروقات نقطة البداية للحل، وحجر الخلاف مع الحكومة في نفس الوقت، فإفراز قانون انتخاب لم يأتي متوافق مع رأي الأغلبية، هو نتيجة شرعية لمجلس نيابي منحل، أتى أصلا بطريقة يشوبها التزوير، فهذه حقيقة محل إجماع، ومع ذلك فالمطعن بصحة ما صدر عن هذا المجلس غير قانوني، والواقع العملي اليوم يحتم العمل بقانون الانتخاب المطروح رغم سلبياته، وكان أولى بالتيارات السياسية العمل على التأثير على الناخب، لكي يرشح أفضل الموجود، رغم وجود عقبة الصوت الواحد، مع احتفاظها بحقها في الامتناع عن الترشح والتصويت، للتقدم ولو بخطوات بطيئة لإفراز مجلس نيابي يكون أصلح حال من المجلس الذي سبقه، يكون قادر على تجاوز عقدة الخلاف بإفرازه قانون انتخاب يرقى لمستوى طموحات التيارات السياسية، ويستطيع تخطي نقاط الخلاف، ويمهد هذا المجلس لدخول مرحلة انتقالية في مسيرة الحياة السياسية في البلاد، تستطيع بعدها من إرساء أسس العدالة التي ترى أنها غائبة، وتعمل على إصلاح المؤسسات الحكومية التي بلغ منا التردي مبلغة، بفعل السياسات القديمة القائمة على الواسطة والمحسوبية والتوريث.

     قد يكون هذا الطريق طويل، ولكن من المؤكد أنه سيكون الطريق الآمن، والذي سيعزز مصداقية هذه التيارات والحراكات عند المواطن، الذي ينأى بنفسه عن الدخول في سجال هذه التيارات السياسية والحراكات الشعبية مع الحكومة، وإتباع هذا المنهج سيعزز هذه المصداقية  لدى الجميع بشكل ايجابي وقوي.

     فنحن بحاجة ماسة في هذا الوقت للثقة المتبادلة، وبحاجة أيضا لان تكون نظرتنا واقعية، ومطالبنا في حدود الممكن والمتاح، وعدم تعمد استخدام طرائق الإرباك في القرارات والتوجيه، وتأجيج مشاعر الناس، وإخراجها من حالة ضبط النفس والتعقل، لحالة الانفعال والصدام المباشر، فكلفة هذا الانفعال والصدام باهظة على الجميع، فلم تزل دموع الحزن حارة على فقد المقابلة الذي كان من آخر ضحايا الفوضى العارمة، والذي لحق بصحبة ممن قضوا في مثل هذه الصدامات من مدنيين وعسكريين، عداك عن المصابين من أقرانهم.

     فإذا كنا جميعا نبتغي الإصلاح، فنحن بحاجة إلى اتحاد في العمل، وتوحيد في الرؤية، واتفاق على المنهج، وبحاجة لنكون على قدر المسؤولية، لنتمكن من إحراز النجاح، وتفادي المعيقات بدون خسائر.