27‏/08‏/2012

المطبخ الأمني




     إن الأوضاع الأمنية المتردية التي تشهدها البلاد منذ عملية الكمالية المشئومة، والتي كانت نقطة التحول باستحلال الدم بين القوات الأمنية، و المواطنين الخارجين على القانون في مختلف محافظات المملكة، أدت إلى نتائج سيئة انعكست على المواطن الأردني بانعكاسات سلبية في كل نواحي حياته اليومية، فالمواطن الأردني الآن فقد الثقة بالقوة الأمنية، وذلك لكون هذه القوة فقدت هيبتها بعد الزج فيها ببطولات كرتونية توافق أهواء قادتها، فجعلت من المتتبع لأخبار عملياتها اليومية يشعر بان قواتنا الأمنية أصبحت هدفا لمن رغب بالتظاهر من المواطنين، أو أن هذه القوات تتحرك عندما يريد احد المسئولين التسلية أو الترفيه عن نفسه، وإثارة الإعلام لنشر خبر عن بطولته وعبقريته الأمنية، ولو كان الثمن دماء الأبرياء وترويع المواطنين، بتنفيذ عمليات أمنية في مناطق سكنية من ضيقها ضائقة بأهلها.

     نعم نحن من دعاة العقلانية في إدارة الشؤون الأمنية، والمحافظة على أرواح المواطنين، سواء كانوا من مرتبات الأجهزة الأمنية، أو ممن خرجوا على القانون من  المدنيين، فمعيار التعامل مع الجميع محكوم بالقانون، الذي بدأ التطاول عليه من الجميع، مدفوعا بالتخبط الأمني للقيادات الأمنية، التي ترفع شعار المحافظة على الأمن، والإصرار على فرض هيبة الدولة، مستخدمه أساليب إثارة الفتن في صفوف المواطنين، بخطواتها وتحركاتها التي لا تحسب نتائجها سلفا، فلكي تحل مشكلة تجر علينا مصيبة، والإصرار على تغييب كل فنون ومهارات التعامل الأمني الاحترافي، الذي كانت تتمتع به هذه الأجهزة.

     فهاهي القوات الأمنية أنهت في الهاشمي الشمالي ما بدأته من عملية الكمالية، بالإجهاز على من بقي من فلول تلك العصابة الشريرة، كما تراجع واسماها بذلك مدير الأمن العام، قائد تلك المعركة المشهورة، فجر ذلك اليوم من رمضان، حسب ما ورد في مؤتمرة الصحفي المشهور، بعد ما تفلت في الإعلام خبر عن وصفها بالمجموعة الإرهابية، كخطأ في التقدير الميداني للواقعة، على حد ما ذكر عطوفة القائد الفذ المبجل.

     قد تكون الفوضى استشرت في كل مكان، من وطننا الذي يعد المواطن والأمن هما رأس ماله، وكل ما بقي له، إلا أن من شجع على هذا الانفلات الأمني، هو أولا وأخرا الضعف في الإدارة الأمنية، التي تقدم لنا كل يوم دليلا على فشلها، فالمخابرات تتفاجأ بما يحدث، والأمن العام يخطئ في التقدير، والدرك يبالغ في التعبئة، والمواطن يتفلت من القبضة الأمنية، والنتيجة أحداث مؤسفة في كل مكان، فالأمن الذي توفره لنا أجهزتنا الأمنية، ثمنه ترويع المواطنين كل يوم، واللذين بفقدان أي من أفراد الأجهزة الأمنية أو المطلوبين الأمنيين يكونون هم الخاسرون، فلا تعجب إذا شهدت عزاءً يكون لرجل امن وأخوه المطلوب وشقيقهم المار عرضا مع الطريق، قضوا في عملية أمنية بطلها باشا، آن الأوان لرحيله، وليأخذ معه إخوته من باقي القيادات الأمنية، عسى ربنا أن يُبدلنا خيرا منهم.

18‏/08‏/2012

رد على من يتستر بثياب أحرار الحويطات


     نشرت صحيفة صوت البادية الالكترونية على صفحتها رسالة، أشارت إلى أنها أرسلت إليها بدون عنوان، وان هذه الرسالة جاء في آخرها "أحرار قبيلة الحويطات".

     وفي قراءة للرسالة تجد أن كاتب الرسالة يستعرض النسب لقبيلة الحويطات، ويتحدث عن دولة لم تكن موجودة ولا حتى في الخرافات والأساطير، ثم تتحدث الرسالة عن شرط سري كان مدرج في مباحثات ضم الأردن لمجلس التعاون الخليجي، ينص على اقتطاع 200 كيلو متر من الأراضي الأردنية لصالح المملكة العربية السعودية، على اعتبار أن هذه الأراضي تشكل مطمع اقتصادي للسعودية في المنطقة، ثم يتحدث كاتب الرسالة عن ولادة حركة معارضة ويصفها بشبه السرية هدفها تحصيل الحقوق للمشاركة في السلطة، ويردف قائلا أننا أبناء قبيلة عريقة وأننا عانينا الأمرين تحت وطأت الحكم الهاشمي، ثم يرفع كاتب الرسالة المجهول شعار المطالبة بضم مضارب قبيلة الحويطات إلى الحكم السعودي، وينادي برفع العلم السعودي على المنازل، هروبا من مواجهة نتائج الربيع العربي، ويتنبأ بانهيار الدولة الأردنية، وان مخططات الوطن البديل تحصيل حاصل، وان البلاد تحت وطأت الانحلال القانوني، وبين براثن الفساد.

     وإذ أرد على هذا النكرة والمجهول، كاتب الرسالة بقولي له، أن قبيلة الحويطات والتي كانت أول القبائل الشرق أردنية استقبالا وحفاوة بالحكم الهاشمي للمنطقة، أبان فترة تأسيس الإمارة، كانت وما زالت تقدم الولاء والطاعة للملوك الهاشميين، من منطلق أن في أعناق أبناء قبيلة الحويطات بيعة للحكام، وأنهم يرعون هذه البيعة، وأنهم خير من يصونها ويعطيها حقها، فالانقياد والطاعة للحكام الهاشميين نقر بها امتثالا لأمر الله بطاعة ولي الأمر، قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)، وامتثالا لقول النبي صلى الله عليه وسلم، الذي يرويه البخاري في صحيحة، عن عُبادة بن الصامت قال: "بايعنا رسولَ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على السمع والطاعة في المنشَط والمكرَه، وأن لا ننازع الأمر أهله، وأن نقوم - أو نقول- بالحق حيثما كنا ولا نخاف في الله لومة لائم". وقوله صلى الله عليه وسلم " مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ، إِلاَّ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً كما ويأتي موقفنا هذا، حرصا على امن البلاد والعباد، ووحدة الكلمة والصف لكل الأردنيين.

     وأما إن كانت تتيه بك أفكارك أيها الكاتب المجهول، ولا تسعفك حكمتك في التعامل مع مجريات الأحداث، فهذا شأنك وقصر في بصيرتك، لا نشد فيه على يدك، فأبناء قبيلة الحويطات تتعامل مع مجريات الربيع العربي على الساحة الأردنية بالحكمة والبصيرة التي تفتقدها أنت، فموقفنا واضح وصريح ومعلن، ولا نختفي في ضل ولا نزوغ في عتمة، فنحن مع الموقف الوطني لكل الحراكات الشعبية في مختلف مناطق المملكة، في ضرورة محاربة الفساد ومعالجة الاختلالات الحكومية، سواء في تشكيلها أو صلاحياتها، أو في تغول الجهات الأمنية عليها، ومع التوجه بان يكون من تسند إليه إدارة شؤون البلاد من أهل الإصلاح، وان يكون محل توافق لكل التيارات السياسية، ليكون اقدر على التعامل مع أزمات البلاد بحكمة وعزم وقوة، انطلاقا من قول الله تعالى (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِين)، وأما موقفنا من الوطن البديل، فالحويطات احرص على حقوق الأشقاء الفلسطينيين بحق عودتهم إلى وطنهم، وتحرير أرضهم من العدو الغاصب الذي استباح البلاد ودماء العباد، من تجار الأوطان وسماسرة السياسة،  ووقفة أبناء قبيلة الحويطات مع الأشقاء الفلسطينيين، وقفة كلها شرف وعزة منذ فترة تهريب السلاح للمقاومة الفلسطينية، مرورا بأحداث أيلول الأسود، والوقفة الشجاعة للقائد البطل مشهور حديثة الجازي، الذي كان الصوت الوحيد الذي كان ينادي بالتعامل السلمي مع الأحداث، الأمر الذي افقده منصبه وجعله رهين اعتقال منزلة، وفي الحاضر تجد أن أبناء قبيلة الحويطات لا تضمر أي تفرقة أو عنصرية في التعامل مع الفلسطينيين، الذين كُتب عليهم أن يكونوا في بلادنا لاجئون، بل إن معيار التعامل معهم "أخ كريم وابن أخ كريم".

     وأما فيما يخص دعوتك المشبوهة في ضم مضارب الحويطات للمملكة العربية السعودية، فان كنت تتاجر بحشو بطنك، فالأنفة للحويطات رمز، وكبريائهم لا يسقط أمام أحلامك المخملية، وأما إن كنت باحث عن امن وأمان، فاعلم أنها نعمة من الله يمن بها على عبادة، وان أبناء قبيلة الحويطات رجال الحرب والسلم، وما يعصى على احدهم القدرة على حماية دمه وعرضه وماله.

     وختاما إن كنت تتكلم باسم أحرار قبيلة الحويطات، فأقول لك إن قولك مردود عليك أنت ومن يشد على يدك، واعلم أن من يريد أن يتحدث باسم قبيلة عريقة أن يعرف بنفسه، ومن كان عنده رأي فليبده لنا، فكل رجل يؤخذ من قوله ويرد عليه، ولكن هذا لمن يملك الشجاعة، والجرأة، وقوة الحجة، والانتماء الحقيقي لهذه القبيلة، أما من يختفي وينعق فماله عندنا إلا الزجر والتوبيخ.

     ثم إني أقول: أننا نقف من كل الآراء والأفكار والمعتقدات السياسية، التي يعبر عنها أبناء الأردن موقف المتعقل، فنسمع لهم ولا نحجر على أفكار أي منهم، فمن رأينا بقوله حق نشد على يده، ومن رأينا بقوله ما يخالف رأينا، قلنا هو رأيه نحترمه ولا نشكك بوطنية أردني ولا نرميه بعار العمالة، وحجتنا أن حرية التعبير حق للجميع، ولا يضرنا أن خالفنا رأي، وكمثال على ما أقول، نحترم في الدكتور احمد عويدي العبادي أصالته ووطنيته، ونخالفه فكره السياسي، ولا نقول في حقه غير انه وطني رغم انف من أبى عليه غير ذلك، ونقول في ابن باديتنا علي الدماني أردني الأصل والطبع والهوى، ووطني أردني بامتياز، رغم مخالفتنا فكره السياسي، ونقول في التيار 36 مثل ذلك، فرغم أخذنا عليه تشدده في نقد النظام، إلا أننا نقول أن أعضائه أردنيين الطبع والتطبع أصيلين العرق والنسب، ولا نقول عنهم إلا خيرا، وهذا فكرنا أن نستوعب الجميع ما داموا يتحدثون في العلن، فحريتهم مصونة، ورأيهم وان خالف رأينا لا يعني أن نناصبهم العداء، فواجبنا نحوهم الاحترام، وواجبهم نحونا مبادلتنا نفس الشعور، ما دام الهدف السامي للجميع خدمة الأردن وصون حماه وممتلكاته من عبث العابثين، مهما كان تنفذهم، ومهما كانت أيديهم طائلة.

     هذا ردي على من يتستر بثياب أحرار الحويطات، واشك أن يكون منهم، حمى الله الأردن، بلد الحشد والرباط، وألف بين قلوب بنيه، وكفاه شر الفتن.



كايد الركيبات – الحويطات
رابط المقال على صحيفة صون البادية

14‏/08‏/2012

الفايز انتخابية

     على حد رأي دولة رئيس الوزراء فايز الطراونه، فان المشاركة في الانتخابات النيابية "تطبيق حقيقي لمفهوم الولاء والانتماء مثلما انه حق وطني وواجب دستوري" وبذلك فهو يرى أن المشاركة في العملية الانتخابية، معيار الولاء والانتماء الوطني، التي من المأمول إجرائها قبل نهاية هذا العام، تنفيذا للرغبة الملكية التي جاءت استجابة للمطالب الشعبية.
     كما وان دولته يرى أن المقاطعة للانتخابات، أو الدعوة للمقاطعة، تأتي من باب التحريض الذي يجب أن يواجه بالترهيب من السلطة، التي بدأت تتسارع الأحداث عليها، وأصبحت تتخبط في محاولة مستميتة لدفع اكبر عدد ممكن للتسجيل بالانتخابات، ومن باب التشجيع، وليكون دولته قدوه للشعب الأردني، بادر بنفسه للتسجيل وحصل على بطاقته الانتخابية، أثناء زيارته التفقدية لدائرة الأحوال المدنية.
     هذا من جانب دولة الرئيس، أما معالي وزير الإعلام سميح المعايطه فكان تحفيزه للمشاركة بالانتخابات يسير في مجرى آخر، بحيث يرى معاليه أن مقاطعة الانتخابات وعدم المشاركة في العملية الانتخابية، ناتج عن رغبة المقاطعين بالتمرد وتطاولهم على صلاحيات الملك، الذين يسعون من خلال مطالبهم بتعديل الدستور للحد من صلاحيات الملك، ليزداد نفوذهم لخدمة الأجندات الخاصة بهم، وهذه اللغة التي استخدمها الناطق الرسمي باسم الحكومة، متشعبة من قناة الترهيب التي ارتسمها له دولة الرئيس.
     أما المقاطعون للانتخابات، فهم يروا أن الانتخابات بنيت على قانون انتخاب لم يصل لمستوى الطموحات التي تشجع على المشاركة، وتمسك دولة الرئيس شخصيا بالصوت الواحد والذي يعتبر عقدة المشكلة التي أصر على بقائها دولته في القانون، كما أن التعديلات الدستورية التي تطالب الأحزاب المعارضة بإجرائها، والتي تسعى من خلالها إلى تحقيق توازن في العملية التشاركية، في الإدارة العامة لكل شؤون البلاد، فمن غير المعقول أن يكون مجلس نيابي يشكل ثقل سياسي، ويكون قرار حله مرتبط بالرغبة الملكية متى أراد ذلك، فهذا يعني أن قوة المجلس رهن جرة قلم، لا يمكن له الصمود أمامها، وهذا الأمر الذي تسعى الحكومة جاهدة إلى عدم الوصول إليه، خوفا من التشوه الإعلامي لصورتها أمام الرأي العام العالمي، قبل الرأي العام الداخلي فيما لو حدث ذلك، ووسيلتها إلى ذلك متمثلة بقانون الانتخاب الحالي، والذي على كل الأحوال يعتبر عماد العمل السياسي في البلاد.
     وعلى الرغم من حرص الحكومة على نجاح العملية الانتخابية ولو إعلاميا، وحرص الأحزاب المعارضة على الصمود في موقف المقاطع، تبقى الفئة الصامتة هي الثقل المرجح لأي من الطرفين، والتي من الممكن أن تستجيب في النهاية للموقف الحكومي، لاسيما وان مجرد استخدام الحكومة لشعارات الولاء والانتماء، وبقليل من الضغط على وسائل الإعلام، سيجعل الصورة تبدوا لهم مشجعة ومدفوعة بالحماس للمشاركة في العملية الانتخابية، على اعتبار أنها فرصة فلماذا لا تستثمر وتجربة لماذا لا تخاض وبعدها نحكم وحسب الواقع .

09‏/08‏/2012

انعكاسات الربيع العربي

     أظهرت موجات الربيع العربي على الساحة، قيادات حزبية ذات توجهات إسلامية، كما وقوت هذه الموجات من موقف الأحزاب الإسلامية في الدول التي لا تزال تناضل لتحقيق إصلاحات، وتسعى للتغيير، وهو الأمر الذي يعد خطر حقيقي ينعكس على الأنظمة التي لا تزال متمسكة بالسلطة المطلقة، وتحصن الفساد، وتستخدم الطرق القمعية لمواجهة المطالب الشعبية، وتضعهم في أقفاص الاتهام بقضايا وتهم أدناها تقويض نظام الحكم، أو إطالة اللسان، في محاولة منها إلى الحد من سقوف المطالب الإصلاحية، واستخدامها كوسيلة ترهيب وفرض للسيطرة.
     وبالإضافة للخطر الذي يحيط بهذه الأنظمة، فان الحراكات الشعبية لها أيضا انعكاسات على إسرائيل، سواء كان خطر امني، أو خطر اقتصادي، أو سياسي، و تحاول إسرائيل جاهدة على إحباط الشعوب العربية، وإيهامها بان حركات الربيع العربي هي حركات مدعومة من الخارج، في محاولة منها إلى المحافظة على ما تبقى من الأنظمة القائمة حاليا، وذلك لكون هذه الأنظمة تعتبر السياج الحامي لأمنها، ومن خلال الحوادث الزمنية السابقة، فان هذه الأنظمة مستسلمة للأمر الواقع، ولا تجد أي طريقة للتعامل مع إسرائيل إلا من خلال الوسطاء الدوليين، والذين هم في نفس الوقت لا يمارسون أي ضغوط حقيقية على إسرائيل، فزادت قوتها، وازدادت الأنظمة العربية في مقابل ذلك ضعفا.
     فمن المستبعد إحراز أي مكاسب لمصلحة إسرائيل في ظل الربيع العربي، فالأحزاب الإسلامية تستمد قراراتها من ضوابط شرعية في إطارها العام على الأقل، وتستطيع أن تحشد جمهور كبير من المواطنين لدعم قراراتها، في حين أن الأنظمة العربية البائدة، أو تلك التي في طريقها للفناء، كانت تصدر قراراتها بموجب الفروض الخارجية التي تقع عليها، ومن  باب تحقيق المصالح الخاصة لهم على حساب الشعوب، التي كانت تتغنى بالوطنية وأمجاد الزعماء، قبل لحظة الاستيقاظ من السبات العميق.
     وعلى الرغم من المحاولات الإسرائيلية، والتي تستخدم بها كل فنون المكر السياسي والإعلامي لمحاولة تشويه الحراكات الشعبية، والتي من أمثلتها تصريحات نتنياهو، بان الأردن سيلحق بالفوضى السياسية، وان ما سيشهده الأردن من أحداث سيكون على درجة من العنف تفوق تلك التي شهدتها سوريا، ويتنبئون أيضا بان أوان هذه الأحداث بات قريبا، وان ما يؤخرها فقط هو صمود الأسد في سوريا، فإدراج مثل هذه التصريحات يوهم بان الحراكات التي تشهدها الساحة الأردنية هي حراكات مسيرة بمعرفتهم وتخطيطهم، وهذا الأمر أيضا يروق لسكان القبة السياسية والأمنية في البلاد، والذين يسعون بدورهم لحشد اكبر عدد ممكن لمواجهة الحراكات الشعبية بهم، وتحت شعارات الحفاظ على الأمن، وشعارات مناهضة إنشاء الوطن البديل، وكان الحراكات الشعبية هي من تعبئ لتقويض الأمن، وتروج للوطن البديل، وان الحكومة بشخصياتها الكريمة براء من ذلك.

01‏/08‏/2012

الإرهاب الأخضر


     القضاء على "شلة زعران" من قبل الأجهزة الأمنية أمر عادي وطبيعي وكثيرا ما يتكرر، سيما وان الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تمر بها المملكة، تشكل بيئة خصبة لتزايد أعداد هذه الفئة من الناس، الذين يطورون أدواتهم الإجرامية بحسب درجة الخطورة التي يشكلونها على المجتمع الذي يمارسون عليه أعمالهم الابتزازية، وبما يتناسب أيضا مع حجم المكاسب التي يتوقعون الحصول عليها من عملياتهم المختلفة.

     إلا أن الغريب في الموضوع، هو إثارة زوبعة إعلامية على دور أساسي للأجهزة الأمنية أثناء قيامها بواجبها الرسمي، والذي اخذ يتحدث عن عملية اعتقال "لشلة زعران" ترعرعوا في الأزقة والحواري، وتصويرهم بأنهم جماعة إرهابية منظمة كانت تشكل خطرا كبيرا على الأمن الوطني الأردني، وأنهم لولا التدخل الأمني في الوقت المناسب، لعصفوا بأمن البلد وعاثوا بها فسادا، و شردوا أهلها، وربما سيطروا على مؤسساتها الحيوية، وأعلنوا سيطرتهم على منافذه الرئيسية.

    و قد يكون التفسير للهالة الإعلامية التي أطلقت كردة فعل على إلقاء القبض على "شلة الزعران" هذه، هو تجييش كل المواطنين للمطالبة بفرض قبضة أمنية على البلاد بحجة حمايتها، وهو المسوغ الإعلامي والمدخل الذي يمكن من خلاله الحديث بانفتاحية اكبر عن الحاجة لفرض قانون الطوارئ، بحجة حماية البلاد وأمنها من خلايا الإرهابيين التي يخشى أن تفيض علينا نتيجة الأوضاع الراهنة في سوريا، أو إيقاظ الخلايا النائمة الموجودة لدينا، والتي لا تقبل حتى العقول الساذجة أي فكرة تنفي أنها لم تولد وتربى برعاية فائقة، من جهة تولي الأمن الوطني كل الأهمية ولو إعلاميا فقط، لغايات محدده، يمكن من خلالها استخدام هذه الشلل من الزعران في أوقات الحاجة إليها، لتنفيذ مهمات محدد محسوبة النتائج.

     على كل الأحوال، يدرك أي شخص أن أصوات الصراخ المرتفعة التي تنادي بالأمن، إما أن تكون من شخص خائف يستغيث، أو إنها تكون من شخص قوي يزمجر، فأما الشخص الخائف فانه يصرخ مستجديا طلبا للنجدة، فهو محتاج للأمن ومتلهف له، والحمد لله أن بلادنا لم تصل لهذه المرحلة، أما القوي فانه يصرخ لإرهاب الغير، أو يكون صريخه فزعة لخائف يريد أن يساعده، فيغلظ في صوته ليشجع الخائف، وأخشى أن يكون صريخ أمننا إرهابا لنا لا فزعة، يريد منه إيصال رسالة تسكت الأصوات، وتقمع الحريات، مستخدما منهج القضاء على "الإرهابيين الخضر"، وسيلة لإقناع الشعب بضرورة تفوق القبضة الأمنية وحفظ الأمن، على مطالب العدالة و الحرية، وعلى مطالبه الشعبية في التضييق على جبابرة الفساد وحراس الرذيلة.