29‏/04‏/2012

السلطة التنفيذية تتغول على بعضها

     كل كتب التكليف الموجهة لأصحاب الدولة رؤساء الوزارات، ركزت على ايلاء موضوع فصل السلطات وعدم تغولها على بعضها أهمية كبيرة، وفي الحقيقة لا تشكل هذه القضية كبير أهمية، فحدود كل سلطه غالبا ما تكون واضحة، وتحتاج كل من السلطات الثلاث للتعاون فيما بينها للقيام بمهامها، وتستطيع السلطة التنفيذية في أي وقت رغبت أن تحصل ما تريد من السلطتين الأخريين، باستخدام أدواتها التقليدية وبدون كثير عناء، وتظهر الأمور للعيان عادية، وبدون أي مشاكل أو مناكفات.
     إلا أن المشكلة الأكبر هي بتغول مؤسسات السلطة التنفيذية على بعضها البعض، فلو نظرنا إلى الترتيب الهيكلي الرسمي المعلن للدولة، نجد أن الملك على رأس السلطات الثلاثة، وأن رئاسة الوزراء على رأس كل مؤسسات الدولة التنفيذية، أما الواقع فبعيد عن هذه المعيارية، فرئاسة الوزراء شاءت أم أبت تتبع لدائرة المخابرات، فأهمية الاستشارة من دائرة المخابرات للقصر، تفوق أهميتها كل معطيات التخطيط والتوجيه القادمة من رئاسة الوزراء، وتسيطر أيضا مؤسسة الديوان الملكي على الصوت الثاني من أصوات اتخاذ القرار، والتي تعتبر من الأهمية بدرجة اكبر من رئاسة الوزراء وقبلها دائرة المخابرات العامة، فإذا كانت هذه المؤسسات الثلاث، تعتبر المؤسسات السيادية لاتخاذ أي قرار، يمس أي ناحية سياسية كانت أو اقتصادية أو اجتماعي أو أمنية في البلاد، يبقى قرار الترجيح بيد الملك، والذي غالبا يكون قراره ميال لصالح الاستشارة الأمنية واستشارة رجال الديوان، ودائما تتحمل رئاسة الوزراء عبء المسؤولية عن هذه الاستشارة، من واقع تحمل مسؤولياتها الدستورية.
     فرئاسة الوزراء مؤسسة مطلوب منها تنفيذ الخطط الأمنية، والموافقة على الاستشارات المقدمة للملك، ووضع آلية تنفيذ في ضوء الإمكانيات المتاحة للدولة، التي تشرف على إعداد الإحصائيات لها بشكل دائم، لوضع المخططين وأصحاب الاستشارات بصورة المستجدات، للتدهور المالي الذي وصلت إليه البلاد، حتى لا يشطح الخيال بالمستشارين لتقديم استشارات تترجم إلى رغبات ملكية، تعجز الحكومة عن تنفيذها، فتنقلب الأمور إلى وعود ملكية لم يتم الوفاء بها، ولا احد يعلم من المسئول عن عرقلة تنفيذها.
     فتشكل كل من هذه الأقطاب قوة تدفع باتجاه مغاير للأخرى، في صراع عنيف للاستئثار بالسلطة ورسم السياسات العامة للدولة، والضحية في نهاية المطاف المواطن البسيط، الذي يجد نفسه ينظر إلى حلبة صراع تستنزف مقدرات البلاد، فالاحتجاجات الشعبية بدأت منذ انطلاقها، تضع دوائر حمراء على أسماء ورموز كانت تتمتع بصلاحيات واسعة في هذه المؤسسات المتصارعة، فهناك مدير مخابرات سابق يقبع في السجن، وأخر يتحدث عن بطولات تزوير انتخابات، ورؤساء  وزراء سابقين كل منهم يتحسس رأسه، ورئيس ديوان سابق يعلق اسمه على اللافتات في كل مسيرة احتجاجية، والمصيبة الأدهى أن هناك أشخاص مقربين من هذه الأقطاب الثلاث تثار حولها الشبهات، ليس لهم أي موقع وظيفي في إدارة الدولة، ولكل منهم سهمه في الاستشارة أو التأثير في القرارات.
     وفي مثل هذه الظروف يصعب التصديق بإمكانية التوصل إلى حلول ممكن أن ترضي الحراكات الشعبية، التي يعتبر جوهر مطالبها الوصول للسلطة من خلال مجالس نيابية منتخبة، تفرز حكومة شعبية قادرة على إدارة البلاد وإخراجها من أزمة الإدارة بالرغبة والمكرمة، التي أسفرت عن تعثر التقدم وأغرقت البلاد في مديونية يتحمل كل فرد من أفراد المجتمع نصيبه منها.
     فهل ستقبل المخابرات وصول الإرادة الشعبية للسلطة، ليتراجع دورها ويحجم، وهل سيقبل المستشارين في الديوان الملكي بوصول الإرادة الشعبية للسلطة، ليكون دورهم وظيفي بحت، فإذا كانت الإجابة بنعم، بعد ذلك نتوقع من الملك انه سيقرر أن تدار البلاد من خلال مؤسسات رسمية، وإلا فالمسيرة ستتقدم خطوة وتعود أخرى.

26‏/04‏/2012

الاتوقراطية الفاضلة


     تاريخ الأردن السياسي لم يسبق له أن شهد حكم الدكتاتورية، فكاريزمية الملك حسين كانت سبب قوي لالتفاف كل أطياف الشعب من حوله، وكان رغم فترة فرض الأحكام العرفية التي استمرت قرابة الثلاث عقود، إنسانيا أكثر من كل المسئولين الذين واكبوا فترة حكمة.

     ورغم غياب الدكتاتورية عن طابع الحكم في الأردن، إلا أن ميزة الحاكم كانت الإدارة الاتوقراطية بمفهومها العلمي، والتي يمكن تعريفها بأنها التمسك بالسلطة والحكم المزاجي والتفرد بالقرار إن وجد رأي مخالف، إلا إن عبقرية الملك حسين السياسية وحسن بصيرته ساهمت بعدم تشكل أي تشوهات في المسيرة السياسية في البلاد بين الحاكم والمحكوم، حتى جاءت ساعة الصدام العنيف بأيلول الأسود والتي انعكست تبعاتها على كل أطياف الشعب الأردني، وولدت نوع من الكراهية يعاني الشعب من تبعاتها حتى هذه الأيام، وعقبتها بعد ثماني عشرة سنه هبة نيسان، التي نتج عنها إنهاء الأحكام العرفية والدخول في فترة الديمقراطية الصورية، إلا إنها كانت فترة محفوفة بالمخاطر نتيجة نشوب حرب الخليج الأولى، والتي استطاع الملك حسين اتخاذ قرار صعب بان يكون خارج إطار قوات التحالف، الأمر الذي لقي استحسان الشارع الأردني، وكانت صورة الاتوقراطية هي السائدة وان كانت الشعارات المرفوعة تتحدث عن الديمقراطية تلك الفترة.

     وفي عهد الملك عبدالله الثاني، تقسم المسيرة السياسية في البلاد إلى ثلاث مراحل تكاد تنفصل كل مرحله عن الأخرى انفصال كلي، فالسنوات الثلاث الأولى من حكم الملك شهدت تطور قيادي من نوع يلامس طموحات الطبقات الفقيرة، فكانت القرارات الملكية تحتفظ باتوقراطيتها إلا أنها تميل لتحقيق التوازن والعدالة في التعامل مع الطبقات الاجتماعية، فتم ايلاء البعد الاقتصادي أهمية كبيرة فكانت الطموحات كبيرة والآمال لا حدود لها رغم قلة الإمكانيات، وتم الاجتهاد على تسويق الأردن كبيئة مناسبة للاستثمار في كثير من دول العالم، وكادت أن تنجح هذه المساعي لولا العثرات التي واجهت هذه الانطلاقة، مثل عدم قدرة أو رغبة  كثير من المسئولين من مواكبة السرعة التي يمضي بها الملك، فتشكلت فجوة عميقة بين طموحات الملك وقدرة المسئولين على التنفيذ، فكانت هذه العثرة محدد مهم من محددات التقدم والازدهار الداخلي لتلك الفترة.

     أما المرحلة الثانية فقد تأثرت المملكة على الصعيد الخارجي بحرب الخليج الثانية واحتلال العراق، الذي شكل نكسة كبيرة بين الحكومة والشعب، نظرا لموقف الحكومة خلال الحرب الذي اختلف كليا عن الموقف السابق في حرب الخليج الأولى، الذي نتج عنه تشوه في العلاقة بين الحاكم والمحكوم، الأمر الذي جعل من السلطة أن تمارس الإدارة الاتوقراطية بطريقة مباشرة، مع تغييب الديمقراطية التي كانت تقف على قدميها ولكنها كانت تنظر إلى الخلف وتغمض عينيها، واستمرت هذه المرحلة لمدة تسعة أعوام، تكاد تكون أتت على كل الانجازات الايجابية التي تحققت في العقود السابقة فمشاريع التحول الاقتصادي والخصخصة والإدارة المتسرعة أضعفت بنية الاقتصاد الأردني وجردته من كل موارده الإستراتيجية، وجعلت اعتماد الميزانية العامة للدولة ينصب على الضرائب والرسوم حيث شكلت ما نسبته 68% - 73% على طول الفترة الواقعة بين عامي 2008 – 2011 الأمر الذي يعني ضعف الاقتصاد الأردني، وتحمله أعباء خدمة الدين العام بما يزيد عن 518 مليون دينار سنويا منها 121 دينار تقريبا فوائد تدفع على الدين العام حسب تقارير وزارة المالية.

     أما المرحلة الثالثة والتي بدأت تتكون منذ مطلع العام 2011 وحتى الآن والتي اجتاحت المملكة خلالها حركات احتجاج شعبي، أثبتت السلطة السياسية في البلاد أن النهج الوحيد المتبع للتصدي لها يتمثل بالاتوقراطية البحتة، فيتم من خلال وسائل الإعلام الرسمية الإعلان أن حدود الحرية مطلقة، والواقع يثبت العكس تماما فحدود الحرية تكون في سجن الموقر أو في سجن الجويده أو سجن البلقاء، فبعد انتهاء أزمة شباب أحرار الطفيلة ومعتقلي الدوار الرابع برغبة وأوامر ملكية، دخل أول صحفي إلى سجن البلقاء بتهمة تفوق عقوبتها عقوبة الرشوة والاختلاس واستغلال السلطة والنفوذ، فمن مجلس النواب الذي يحتفل بالرواتب التقاعدية مدى الحياة، جاءت أسباب تهمة جمال المحتسب بمناهضة النظام، والتي عكست الصورة الحقيقية لتطبيق الاتوقراطية المزاجية في إدارة الدولة، وتحت مظلة دولة القانون والمؤسسات والحريات، أو ما يسمى بـ ( الديمقراطية النائمة).

18‏/04‏/2012

أين يقف حسين من هزاع


     كل الحِراكات التي تعيد صياغة المشهد السياسي الوطني هذه الأيام، وتعمل جاهدة على إرغام الحكومة لاتخاذ خطوات جدية لإصلاح الوضع السياسي والمالي المتعثر، والحد من تغول يد الفساد على المال العام، هي حِراكات وطنية بحتة، رغم المحاولات المتكررة لتلويثها، وإخراجها بصورة الحِراكات المدفوعة بأجندات خارجية، غايتها وهدفها زعزعة الاستقرار والعبث بالأمن الوطني، وإثارة عرى التلاحم المجتمعي.

     فالتاريخ السياسي الأردني عبر السنوات، حراك نشط، وان كانت الفترة الممتدة من نيسان 1956 وحتى نيسان 1989، هي الفترة الأكثر خمولا نتيجة فرض الأحكام العرفية، التي تلت محاولة الانقلاب التي أورد الملك حسين رحمه الله بعض تفاصيلها في كتابه المعروف بمهنتي كملك، والتي في نفس الوقت يصر مدير المخابرات السابق نذير رشيد على قراءتها بمفهوم آخر، ابعد ما يكون عن المحاولة الانقلابية على العرش، ويرى انه محاولة انقلابية على النشاط السياسي، لكل فئات المجتمع الأردني.

     وفي تلك الفترة الحالكة من التاريخ الأردني، برزت شخصيات سياسية ووطنية أردنية، استطاعت بناء مواقف خالدة لها، ومن هذه الشخصيات المرحوم هزاع المجالي، الوطني الذي كان ثمن عزمه ومواقفه السياسية تصفيته، بتفجير استهدفه في قلب رئاسة الوزراء، وعمت مشاعر الحزن والأسى بهذه الحادثة أنحاء البلاد.

     باغتيال هزاع المجالي، قيد التاريخ اسم هزاع المجالي في انصع صفحاته، وهاهي السنوات تمر، فمضت اثنان وخمسون سنة إلا بضعة أشهر من تلك الحادثة التي أودت بحياة هزاع المجالي، واليوم يغلي الشارع الأردني بالحِراكات الشعبية الساخطة على السياسات الحكومية، والتي تُترجم إلى مسيرات احتجاجية متنوعة، فمنها مسيرات فئوية، ذات مطالب تتعلق بالحقوق الوظيفية للموظفين والعاملين، وبرغم اثر هذه الاحتجاجات الاقتصادي الكبير، إلا أنها اقل أهمية بالنسبة للإدارة الأمنية، فهذه المطالب من الممكن معالجتها ووضع تسويات مناسبة لها.

     إلا إن أكثر ما يقلق الحكومة والأجهزة الأمنية، ذلك النوع من الاحتجاجات ذات المطالب السياسية، والمتمثلة بالإصلاحات السياسية من جهة، ومحاربة الفساد من جهة أخرى، وهذان المطلبان يشكلان عصب الاحتجاجات، لحساسية كل منهما، فالإصلاح السياسي يعني تنازل قسري عن السلطة، لتكون سلطة شعبية بدلا من حالها اليوم المتمثل بسلطة مطلقة، وان كانت تؤطر بمؤسسات مدنية صاحبة سيادة، أو رئاسة وزراء ذات ولاية عامة.

     أما الفساد فالنظرة الشعبية تنظر إليه على انه مرتبط بشخصيات متنفذه، ويتم رعايتهم رعاية رسمية، تحبط أي محاولة مساس برموزه.

     ومع بداية انطلاق الاحتجاجات، تعاملت الأجهزة الأمنية بمهنية عالية، أكسبتها احترام وتقدير عالي، إلى أن جاءت اللحظة الفارقة، متمثلة بالتدخل الأمني لإنهاء اعتصام دوار الداخلية العام الماضي، فالعرف الشعبي ينظر للأجهزة الأمنية على إنها أمن عام، ولا يفرق بين إدارة مستقلة لقوات الدرك، عن الأمن العام، فإذا كانت كل إدارة تنفرد بقرارها ورؤيتها الأمنية، ولا تتحمل مسؤوليات الإدارة الأخرى، فما حاجتنا إلى إدارتين، لإدارة أزمات الاحتجاجات الشعبية.

     فمسؤولية الأمن منوطة بمديرية الأمن العام، وعلى رأسها حسين هزاع المجالي، والذي بدأت سياسته الآن تجنح للتعامل مع المسيرات والاحتجاجات الشعبية بطريقة قمعية، تهدف إلى إنهاء مظاهر الاحتجاج فور انطلاقها، والقبض على شباب الحراك، والتعامل معهم في مراكز التوقيف بطريقة عرضية مزاجية، تخرج عن إطار القانون، وتهدف إلى اهانة المعتقلين، على حد روايات الشباب الذين تم اعتقالهم وتوقيفهم، الأمر الذي أسهم في تأجيج مشاعر المواطنين على الأجهزة الأمنية، رغم كل النفي الرسمي الذي صدر عن مديرية الأمن العام.

     فالتعامل الأمني بطابع القبضة الأمنية مع الحِراكات الشعبية، ينعكس أثرة مباشرة على شخصية حسين هزاع المجالي، الأمر الذي إن كان يقربه إلى رأس السلطة، فأنه يوسع الهوة بينه وبين القاعدة الشعبية، فالسلطة تنسى أهلها بسرعة، وسرعان ما تضحي بأفرادها، وتبني على ركامهم بنائها.

     فهل إدارة حسين المجالي لجهاز الأمن العام، ستهدم المجد الذي بناه هزاع المجالي لأبنائه، أم إن ابن هزاع المجالي سيكون ورقة جديدة ناصعة البياض، في تاريخ الأردن الحديث، لا يأثم بدم، ولا يخدش كبرياء أردني.

     عطوفة الباشا، أنت اليوم على أعتاب التاريخ، فماذا تريد أن يُكتب عنك؟ رجل سلطة هدم مجد أبيه، أم وطني أبا إلا أن يكون وطني، كما كان أبيه.  

15‏/04‏/2012

هكذا كبا الإخوان


     بتفاؤل شديد استقبلت جماعة الإخوان حكومة الدكتور عون الخصاونة، وعزز تفاؤلهم هذا قنوات الاتصال التي أتاحها الرئيس مع الجماعة، وعزف لهم على وتر جدية مساعي الإصلاح، وتطهير البلاد من الفاسدين، وعزمه على تقديم مشاريع قوانين عصرية تنظم العمل السياسي، وتؤدي إلى مزيد من التفعيل السياسي لدور الأحزاب، بدغدغة تلامس طموحات الإخوان وكل الأحزاب الأخرى، وكل ذلك لقاء الكف عن الخروج بمسيرات المطالبة بالإصلاح أو التحريض عليها، وإعطاء الرجل فرصة كافية لكي يتمكن من ترتيب أوراقه ويشرع بالعمل.

     وكان له من الإخوان ما تمنى، ومنحه الإخوان فرصة ذهبية لكي يقدم شيء يرضي الإخوان، ويخفف من الاحتقان الشعبي الذي لم يعد لسخطه حدود، ولم تقف أمام ثورة غضبه تهدئة الإخوان أنفسهم، بل إن الفترة التي كانت تهادن فيها جماعة الإخوان الحكومة كانت الفترة الأعنف، في إطلاق الشعارات التي أوردت مطلقيها السجن، وأخرجت الحكومة عن طورها وحُلمها، وأفقدتها صبرها، وخلال هذه الفترة التي استثمرتها الحكومة بشكل جيد لدق الإسفين بين جماعة الإخوان المسلمين وبقية أجزاء ومكونات الحِراكات الشعبية على امتداد الوطن، خرجت جماعة الإخوان من هذه المهادنة بحمل ثقيل من الغضب الشعبي عليها وفقدان الثقة بها، فقد تعثرت خطواتها مع أول فرصة ثقة تعطيها الجماعة لحكومة الدكتور عون الخصاونة.

     وبعد أول تسريب لقانون الانتخاب الذي كانت تعول عليه الجماعة كثيرا في كشف النوايا الحقيقية للحكومة، اكتشفت الجماعة أنها وقعت في شباك الخديعة، وان أحلامها بالقانون الانتخابي العصري الذي يحقق طموحاتها ذهبت مع الثقة وحسن النية إلى صالح الحكومة، التي رشت الجماعة بالماء البارد بعد غرقها بالحلم السعيد، وأثبتت الحكومة أن النهج الذي كانت عليه حكومة البخيت الأولى، وحكومة سمير الرفاعي، سيعيده عون الخصاونة بحلة جديدة، تنطلي على من أراد أن يفاخر بان له نائب تحت القبة، أو على تاجر يستطيع أن يشتري أصوات الناخبين ببناء خيمة وتقديم المناسف والحلوى حتى مساء يوم الاقتراع.

     تفاخر الحكومة بأنها جاءت بقانون انتخاب لم يسبقها إليه احد، فالشعب الذي سخط على الصوت الواحد لفترة طويلة منحوه صوتان يجامل بهما كيفما يشاء، وصوت ثالث يطلقه بالهواء، يرضي فيه السواد الأعظم ضمائرهم بأنهم ساهموا بتنمية الحياة السياسية في البلاد، ويقنعوا أنفسهم بان الحكومة لم تقصر وقدمت التنازلات المرة بعد الأخرى، وان المعيق للإصلاح هم جماعة الإخوان وبقية الأحزاب وشباب الحِراكات الشعبية، الذين لا يرضيهم شيء وإنما هم ساعون في تدمير البلاد وخرابها.

     الحكومة تتقن فنون المراوغة وتعرف كيف توقع من تريد في شراكها، ولكن سيكون موقف الحكومة محرج جدا إن استطاعت الحِراكات الشعبية أن تكسب جماعة الإخوان لصفها، فهي بذلك قد تُفشل قانون الانتخاب، وتكون بهذا الاتحاد جماعة ضغط لن تقوى الحكومة على اختراقها، فالحِراكات الشعبية أثبتت أنها أكثر مناعة  وقدرة على مناورة الحكومة من الأحزاب الرسمية، فالحكومة لا تجرؤ على الدخول بأي نوع من أنواع التفاوض أو التشاور مع لجان التنسيق لهذه الحِراكات، وفي المقابل تستطيع هذه الحِراكات أن تقلق راحة الحكومة وتشكل لها مصدر قلق كبير، فالشرارة التي تنطلق من هذه الحِراكات لا يمكن تجاهلها أو حصر خطرها، ثم إن أهم وسائلها هو إرغام الحكومة على تقديم النازلات لا استجدائها بمنح المكرمات.

    وإذا أصرت الحكومة على عنادها واستخدام هالتها الإعلامية في تشويه الحِراكات الشعبية، واستخدام قبضتها الأمنية في ضرب عناصر الحِراكات الشعبية، واستخدام ولايتها العامة في تشريع القوانين بما يخدم مصالحها، والإعراض عن المطالب الشعبية، ستجد الحكومة نفسها تنجر في مواجهات مع طبقة عريضة من المجتمع تكن للسياسات الحكومية كل ألوان البغض، وعازمة على إرغام الحكومة على الاستجابة لمطالبها، فالخطر الذي يخافه الأغلبية الصامتة حتى هذه اللحظة، ستشعل فتيله الحكومة بتجاهلها الاستجابة للمطالب الشعبية، ولتفننها في اختراع الحلول الفاشلة في التعامل مع الشباب المطالب بالإصلاح، بعد أن جرّت سياسات الحكومات المتعاقبة البلاد إلى حافة الإفلاس، وجعلت منها مملكة بدون مُلك، فيجب على الحكومة وأصحاب القرار في كل أجهزة الدولة المعنية بالتعامل مع الحِراكات الشعبية الانتباه والحذر، وإدراك أن سياسات القمع ليست الحل، وان الأمور ستزداد سوء إن بقيت هذه العقلية تسيطر على القرار والمشورة الحكومية.

10‏/04‏/2012

دعوة معلمي ومعلمات البادية الجنوبية للثورة



     هذه دعوة أطلقها على امتداد البادية الأردنية الجنوبية، واخص بها المعلمين والمعلمات لطرح القوانين والأنظمة والتعليمات الرسمية الناظمة للعمل خلف ظهورهم، وانتهاج طرق وأساليب جديدة مستوحاة من الواقع العملي لتوعية الشباب والشابات في المدارس و المجتمع المحلي، واطلاعهم على متغيرات الواقع ومواكبة المسيرة معه، قبل أن يفوت الأوان ونجد أنفسنا لا ربحنا الحداثة ولا بقينا على الأصالة، ونجد أنفسنا في تيه بكسب أيدينا، اشد على الأجيال القادمة من مرارة تخلفنا اليوم، وتهميشنا بالرغبة والإرادة الرسمية.

     لست داعي انقلاب على الحاكم، فله في أعناقنا بيعة نحن خير من يرعاها حق رعايتها، ولكن داعي انقلاب على نظام تعليمي إن بقينا متمسكين بحذافيره ومراعين تعليمات تنفيذه، سنجد أنفسنا متسربين إلى الشوارع بلا علم ولا عمل، فدعوتي أريد منها استقلالنا بالفكر والأسلوب، يتخطى حدود المقبول من المشرعين والمشرفين ورعاة المناهج والقائمين عليها.

     نعم أدعو إلى ثورة على المناهج الدراسية لكل مراحلها، وأرى إن يدخل كل معلم ومعلمة على تلاميذه عازما أن يكسبهم معلومة مستقاة من فقه الواقع، لا من معتقدات جون ديوي، وهربرت سبنسر، ولا مستقاة من تاريخ حضارات العالم القديم.

     نعم طلابنا بحاجة إلى صنع بيئة تسمو بهم، لا أن يكونوا رهائن بيئة تربطهم بالتخلف والعصبية، نعم نريد ثورة نكون نحن دعاتها ورعاتها وبُناتها، نرجوا من كل معلم ومعلمة أن لا يعمل لقاء راتبه، ولا نريد منهم قضاء اليوم والحصص التزاما بوقت الدوام الرسمي، بل نريد سيل من الخبرة ينعكس على سلوكيات وأفكار الطلاب والطالبات، نريد قلب نظام التعليم، نريد خلق أفكار ومبادئ تعليمية من صنيع أبناء البادية، تنهض بهم من حالة التخلف والتهميش إلى صناع إرادة لا مكتسبيها، نريد منهم خلق مستقبل، لا بناء مستقبل، نريد جيل يعي صغيرة خطر الجهل والتخلف ويحذر منه قبل كبيره، نريد جيل ينقد واقعه ويمحص ما يدور حوله، بالقدر الذي يجعل له صبغة فكرية يستقل بها عن التقليد، والتبعية، والطاعة العمياء، نعم نريدها ثورة على نظام تعليمي ما خرجنا به من المائة بخمسة، وأعجزنا البادية من استيعاب أبنائها.

     عقود مضت طالنا منها ذيل عباءة التنمية، وأرجو ألا نكون في خضم التغيرات السياسية التي تعصف في بلادنا، العصا التي يُهشُ بها على الغنم، كان لنا سبق المجد عند بناء الدولة وتأسيسها، ورُكنا بعدها إلى ساعة الحاجة، ثم كنا أول من يُستبعد من إدارة الدولة، وكأن ليس منا رجل رشيد.

     قُدم علينا اللص، والجبان، والخائن، وتركنا نستجدي المكارم، واليوم مطلوب منا أن نُرجح كفة، ونكسر شوكة، ونبقى في غفلة، ونُوهم بأن كل ما يجري فتنة، تدار بيد خفية، تُريد أن تعيث بهذا البلد فسادا، ولعمرك هل بقي بعد كل هذا الفساد فساد.

     نريد لشبيبتنا توعية نوعية، تخرج بهم من التبعية والانقياد، إلى إثبات الوجود، فكنا أسياد وسنبقى، وإن كنا في وقت سعة الحال في طي النسيان، فنحن في ساعات الشدة كواسر، وطيور شلوه، وريح ما تصمد أمامها خيام القهر والظلم والفساد.

     نعم هذا البلد عزيز، ونشد على كل يد تريد له عزة، وكل يد تطول هذا البلد بسوء، سنكون نحن اليد التي تقطعها، ولا نهتم يد من تكون، أو أي يد تدعمها أو تشد عليها.

     نعم أيها المعلمون والمعلمات الأفاضل، هذا زمانكم فبالوعي والإدراك للواقع تبدأ الانطلاقة، فإما أن نستفيق ونتكاتف في نشر الوعي وإدراك الواقع، وإلا سنكون بندقية في يد صياد، أو سهم في كنانة، ثم نجد أنفسنا خرافة في التاريخ، بذكرنا تذكر الدواهي، وتدب الحمية، وتكثر السخرية .

     نعم أيها المعلمون والمعلمات، بيدكم جيل سينظر إلى ما تقدمونه، فإما أن تنصروه وتنتصروا، وإما سيكون هذا الجيل يخاف أن يفكر، عداكم أن يقول رأي، فهل سنبقى في طي النسيان، أم سنعيد بأفعالنا وعزيمتنا سابق مجدنا وعزتنا، فقد حانت لحظة التغيير، ودقت أجراس الثورة.

04‏/04‏/2012

عودة القوة الضاربة


     ارجوا أن لا أجد نفسي متهما بتهمة إفشاء أسرار المعسكرات إن أنا أتممت كتابة هذا المقال، فالتفكير بعقلية أفراد القوة الضاربة لازال يخيم في ذاكرتي رغم تركي الخدمة العسكرية لأكثر من ثلاثة عشر سنه، فكنا نهيئ أنفسنا عند التكليف بفض التظاهرات بطريقة انتقامية ننسى معها كثير من الاعتبارات الإنسانية أو العقلانية، ونعتبر أنفسنا على صواب وأصحاب رسالة يجب المحافظة عليها، فكانت مشاعرنا تغيب أثناء أداء الواجب في فض مشاجرة أو اعتصام، وتكون أولوية المحافظة على المهمات العسكرية التي بحوزتنا من ترس وقنوه وكمامة غاز وجعبة المخازن والميم 16، أهم بكثير من المحافظة على مشاعر المتظاهرين أو سلامتهم، فمن يقع تحت أيدينا لا نرحمه، وقسوة القلب هذه لا اعلم من أين تأتي لأحدنا فور دخولنا في مواجهة لفض التظاهرات، وربما لأننا نجد أنفسنا كما يقال بوز مدفع أمام المتظاهرين، فتحسب العملية إما أن نفض المظاهرة أو ينقلب هؤلاء المتظاهرين علينا، فنفرط في استخدام القوة لتسريع فض التظاهرة، ومن أعجب ما يكون منا أثناء فض التظاهرة أننا ندعي الجهل في كل شيء، سواء بالقانون أو بالأعراف أو التقاليد لا بل حتى في البديهيات البسيطة، فكثير من النكات التي كانت تتناقلها السنة العامة وتصورنا بأننا متخلفين وجهلة في وقت الظروف العادية، نعمل بها حرفيا وقت الحاجة لفض التظاهرات، ونكون نحن أكثر من يصدقها، وذلك لكي نوصل المتظاهرين إلى درجة عدم العتب علينا من شدة تخلفنا وجهلنا.
     مضت تلك الأيام من غير رجعة بالنسبة لي، ولم تنتهي سلسلة ردات الفعل الغاضبة للمتظاهرين على امتداد تلك السنين، لا بل إنها تزايدت هذه الأيام وتزايد عنصر الأمن شراسة في التصدي لها، ولكن بتعديل يحمل بعض المعاني الغريبة والتي لا اعتقد أنها تبشر بخير، ففي السابق كانت القوة الضاربة التي تكلف بمهمة فض التظاهرات هي قوات البادية وحرس الحدود، هكذا كان اسمها وهكذا عرفت عند عامة الشعب، إلا أن هذه القوة تم تفكيكها في أواخر التسعينيات وأوائل الألفية الجديدة، واستعاضت الحكومة بدلا منها بقوات لواء الأمن، والتي سرعان ما استبدلت بقوات الدرك، وكان سبب تشكيل قوات الدرك في الأساس لمواجهة أي تحركات داخلية أو للمساهمة في حفظ الأمن، بواسطة كوادر مدربة ومجهزة بتجهيزات الأمن الداخلي، وتتمتع هذه القوات بمعنويات تتغذى على الشراسة والعنف في التعامل مع الاعتصامات أو التظاهرات، من خلال الملاحظات على ردود أفعالهم في الأوقات التي تدخلوا بها فعليا فض الاعتصامات، و التي سجل اليوتيوب أحداثها بالصوت والصورة، والتي لا تزال الحكومة تصورها على إنها غير حقيقية، وان الأمن لا يزال يتعامل بأسلوب ناعم، رغم الاستفزازات التي يتعرضون لها من قبل المتظاهرين والمعتصمين والمحتجين.
     قد لا يكون أفراد وضباط قوات الدرك معنيين كثيرا أو مهتمين بالأفكار السياسية التي يهتم بها المواطنون، أو حتى يولوها أي أولوية من أولويات أنشطتهم الاجتماعية المختلفة، ولكن هل قوات الدرك ستنتهج النهج السابق لقوات البادية المتمثل بضربة حديدية والخروج بعدم المسؤولية، أم إن الدرك سيكون عاجز عن التعامل بعقلانية وضبط النفس مع التظاهرات الشعبية، الأمر الذي سيؤدي إلى أن تفكر الحكومة بشكل جدي باسترجاع وتفعيل قوات البادية الملكية، على اعتبار أن وجودها في الميدان سيعطي انطباع أنها تمثل أبناء البادية، سيما وان قوات البادية سجلت حضور استعراضي في ذكرى 24 آذار، فهل ستعود قوات البادية إلى الميدان بعد أربع عشرة سنه من الغياب وهل ستعود بالأسلوب القديم ذاته، أم إنها ستعود بأساليب جديدة مبتكرة، وهل بعد هذا الانقطاع سيتغير الانطباع عن قوات البادية من قبل المتظاهرين، أم ستشهد الصفحات الالكترونية تسجيل نكات جديدة تخترعها مرتبات البادية أثناء تعاملها مع المتظاهرين والمعتصمين بعد هذا الانقطاع الطويل.
فض اعتصام دوار الداخلية

02‏/04‏/2012

الحكومة ولجان تنسيق الحراك الشعبي


     قبل اجتياح عواصف التغيير العربية لمنصات الزعماء العرب والتي أطلق عليها تفاؤلا الربيع العربي، لم تشهد المملكة أي جرأة لمسئول حكومي أو امني يقول إن السجون الأردنية تحوي في مهاجعها معتقلين سياسيين، وعلى العكس من ذلك طول الفترة السابقة ونحن نسمع التأكيدات المتتالية بعدم وجود معتقلين رأي في الأردن.

     إلا أن الربع الأول من هذا العام لم يكد يتم يومه الأخير إلا بإيداع مجموعتين من نشطاء الحراكات الشبابية إلى السجن، بتهم إطالة اللسان و التحريض على تغيير النظام والتجمهر غير المشروع و إقلاق الراحة العامة، وكل تهمة من هذه التهم  تعني مزيدا من الحرية المشروطة بعقوبة السجن إن وصلت الشعارات حدودها أو حامت حولها.

     والحكومة من طرفها تعمل جاهدة على الحد من الحراكات، فتحاول التأثير على القيادات الحزبية بالتحاور معها والتوصل إلى قواسم مشتركة من الممكن معها المضي بمسيرة الإصلاح، معتقدة أن الحوار مع القيادات الحزبية المختلفة سيؤدي إلى نتائج ايجابية تخفف من حدة الغضب الشعبي المتزايد تجاه الحكومة، ومجلس النواب الذي تعده الحراكات الشعبية خادم الحكومة المطيع، وفي نفس الوقت تتجاهل الحكومة النمو المتسارع والنضج السياسي التي وصلت إليه اللجان التنسيقية للحراكات الشعبية المختلفة، والذي يعد العنصر الأهم والأبرز في قيادة الحراكات الشعبية، ويفوق في أهميته الأحزاب المعروفة والتي تسعى الحكومة إلى كسب ودها إلى جانبها، لا بل إن أهم سبب في تردد كثير من الشباب من المشاركة في الحراكات الشعبية هو الظهور الإعلامي للأحزاب كقائدة للمحراكات الشعبية، وذلك لان الشباب يحجم عن الانخراط تحت مظلة الأحزاب، وفي اللحظة التي ترفع الأحزاب يدها عن المشاركة الرسمية في فعاليات الحراكات الشعبية، سيبدأ كثير من الشباب بالانضمام إلى لجان تنسيق  الحراكات الشعبية في مناطقهم، والتي سيرى بها الممثل السياسي له لاسيما وان هذه اللجان التنسيقية تأخذ من البعد المناطقي أساس لانطلاقها وتكوينها، وهذا ما يعطيها قوة ترابطية لأفرادها من جهة، ويحد من أي اختراق امني لهذه اللجان من جهة أخرى، كما ويعطيها القدرة العالية على إدارة المسيرات وسرعة تنظيمها وتحديد شعاراتها، ثم إن هذه اللجان تعمل بتنسيق أوسع مع اللجان الوطنية الأخرى مما يكسبها أيضا سرعة الاتفاق على المبادئ، والتجاوب السريع لنصرة بعضها بعض لإيجاد مناخ عمل شعبي تكاملي، مستفيدة من كون الرؤية مشتركة والهدف مشترك، كما ويسهم عدم وجود مطامع أو تنافس على السلطة فيما بينها على توحيد الصف، متجاوزة بذلك نقطة خلاف مؤثرة على التنسيق المستمر بين الأحزاب الرسمية المختلفة.

     والحكومة بدورها لن تفتح على نفسها عش الدبابير ببدء حوارات مع اللجان التنسيقية للحراكات الشعبية التي تدرك أن سقف مطالبها الإصلاحية خارج حدود قدرتها وإمكانياتها، وان الإصلاحات التي تطالب بها هذه اللجان تحتاج إلى تضحيات تعجز عنها كل سلطات الدولة، وفي نفس الوقت تدرك الحكومة انه يصعب الخلاص من هذه اللجان وان من الأفكار المجنونة التي من الممكن تجربتها هو إيداع أعلام هذه اللجان في السجن بأي تهمة من الممكن أن تقبل وتروج إعلاميا ولكن هذه التجربة كانت ذات نتائج سلبية أكثر بكثير من المتوقع فتهمة إطالة اللسان ودعوى تغيير النظام أصبح من المتعذر على الحكومة أن تزج بكل من اقترفها في السجن لان الحديث بها أصبح لغة الشارع وأصبحت تطلق الشعارات على أبواب مؤسسات الدولة لكي تسمعها كل سلطات الدولة.